للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في أكثر المواضع حتى لا يبقى للظنِّ رجحانٌ بيِّن، خصوصًا إذا اختلف فيها الفقهاء، فإن عقول الفقهاء وعلومهم ــ من الأئمة المشهورين ــ من أوفر العقول، وأكثر العلوم، فإذا تلدَّدوا وتبلَّدوا (١) لم يكن ذلك وفي المسألة طريقةٌ واضحة. فإذا وُجِد فيها قول الفقهاء (٢) الصحابة كان الظنُّ بأنَّ الصواب في جنبه أقوى الظنون، والرأي الذي يوافق رأيَه أسدّ الآراء.

ومن كان إنما مطلوبه في الحادثة ظنٌّ راجح ولو استند إلى استصحابٍ أو قياسِ دلالةٍ أو شَبَهٍ، أو عمومٍ مخصوصٍ واردٍ على سبب، فلا يُشكّ أن الظن الذي يحصل لنا بقول صحابيٍّ لم يُخالَف أرجح من الظنون المستندة (٣) إلى مجرَّد هذه الأمور.

واعلم أن حصول الظنِّ الغالب في القلب ضروري لحصول العلم ومشاهدة الطريقة، على أن من تأمَّل واجتهد وعرف طرقَ الفقه وأحوال الصحابة= وجدَ ظنًّا ضروريًّا بقوة ما يقوله الصحابي على من يخالفه.

الوجه الحادي عشر: أن الصحابيَّ إذا أفتى بفُتْيا، أو قال قولًا أو حكم حكمًا فله مدارك انفرد بها عنا، وله مدارك نشاركه فيها، فأما ما يختص به فيجوز أن يكون قد سمعه من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو من آخر من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّ ما انفردوا به من العلم عنَّا أكثر من أن يُحاط [به].


(١) في «الإعلام»: «تلددوا وتوقفوا» والتلدّد هو التوقف والتحيُّر والنظر يمينًا وشمالًا.
(٢) كذا.
(٣) العبارة في الأصل: «فلا يسكن إلى الظن الذي يحصل لنا بقول الصحابي لم يخالف أرجح من الظنون إلا مستند»! وهي مضطربة، وصححنا ما فيها من تحريف من «الإعلام»: (٦/ ١٨).