للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا تظنن [ق ٣٠٢] أن كلًّا منهم روى ما سمع كلَّه ولا العُشْر، فهذا صدِّيق الأُمة لم يُرْو عنه مائةُ حديث (١)، وهو لم يغب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء من مشاهده، وكذلك عامَّةُ جِلَّة الصحابة قَلَّت روايتهم.

وقد كَثُرت رواية أبي هريرة، وإنما صَحِبَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نحو أربع سنين، فقول من يقول: لو كان عنده سماع من النبي - صلى الله عليه وسلم - لذكره= قولٌ من لم يعرف أحوالَهم، فإنهم كانوا يهابون الرواية ويعظِّمونها ويُقِلُّونها؛ خوفَ الزيادة والنقص، ويحدِّثون بالشيء الذي قد سمعوه من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مرارًا ولا يذكرون السَّماع، وتصريحهم بالسَّماع تارةً كتصريحهم بالرأي أخرى، فإنهم قد صرَّحوا في مواضع بأنَّهم قالوا بالرأي، ويجوز أن تكون تلك الفُتْيا أو الحديث مما اجتمع عليه مَلَؤهم في حادثة أخرى، ويجوز أن يكون قد فهمها من آية في كتاب الله، أو من حديثٍ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلمه باللغة ودلالةِ اللفظ على الوجه [الذي] انفردوا به عنَّا. أو لقرائن حالية اقترنت بالخطاب، أو لمجموع أمور فهموها على طوال الليالي من رؤية (٢) النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة سيرته وسماع كلامِه وتبيُّن (٣) مقاصده، وشهود تنزيل الوحي، ورؤية التأويل، فإن العلم بهذه الأشياء تكشف المرادَ كشفًا تزول معه كلُّ شبهة.


(١) أخرج له أحمد في «المسند» واحدًا وثمانين حديثًا بالمكرر، وذكر له بقيُّ بن مخلد في «مسنده» مئة حديث واثنين وأربعين حديثًا، كما في مقدمة مسنده ضمن كتاب «بقي بن مخلد» (ص ٨٢).
(٢) الأصل: «رواية».
(٣) تحتمل: «تبيين».