للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحُجَّة لكيلا تبطل حُجَج الله وبيناته» (١). فلو جاز أن يُخطئ الصحابيُّ في حكم ولا يكون في العصر ناطق بالصواب في ذلك الحكم، لم يكن في الأُمَّة قائم بالحقِّ في ذلك الحكم؛ لأنهم بين ساكت أو مخطئ، ولم يكن في الأرض قائمٌ لله بحجَّة في ذلك الأمر، ولا من يأمر فيه بمعروف أو ينهى فيه عن منكر، حتى نبغت النابغة، فقامت بالحجَّة، وأمَرَت بالمعروف، ونَهَتْ عن المنكر، وهذا خلاف ما دلَّ عليه الكتابُ والسنةُ والإجماعُ.

الوجه الثالث عشر: أنهم إذا قالوا قولًا أو بعضُهم، ثم خالفهم [ق ٣٠٣] مخالف من غيرهم كان مُبتدئًا لذلك القول ومبتدعًا له، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الراشدين المهديِّين من بعدي، تمسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومُحدثاتِ الأمور، فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة» (٢)، فلا يجوز اتِّباعُه.

واعلم أن في المسألة أدلَّة كثيرة، وهي تحتمل بَسْطًا عظيمًا ليس هذا موضَعه.

فإن قيل (٣): بعضُ ما ذكرتُم من الأدلة يقتضي أن التَّابعيَّ إذا قال قولًا ولم يخالفه صحابيُّ ولا تابعيٌّ فإنه يكون صوابًا يجبُ اتباعُه.

قلنا: هذا لا يكاد ينضبط، فإن التابعين كثيرون، والمسائل في أيَّامهم كانت منتشرة، فلا يكاد يغلب على الظن عدم المخالف له، فإن فُرِضَ ذلك فقد اخْتُلِف فيه، فمنهم من يقول: يجبُ اتِّباعُه، والأكثرون يفرِّقون بينه وبين


(١) قطعة من وصية علي - رضي الله عنه - لكُمَيْل بن زياد، وقد أخرجه بطوله أبو نعيم في «الحلية»: (١/ ٧٩ - ٨٠)، والنهرواني في «الجليس الصالح»: (٣/ ٣٣١) وغيرهم.
قال ابن عبد البر في «الجامع» ــ بعد أن ذكرها بدون إسناد ــ: «وهو حديث مشهور عند أهل العلم، يستغني عن الإسناد لشهرته عندهم».
(٢) أخرجه أحمد: (٢٨/ ٣٦٧ رقم ١٧١٤٢)، وأبو داود رقم (٤٦٠٧)، والترمذي رقم (٢٦٧٦)، وابن ماجه رقم (٤٢)، وابن حبان «الإحسان» رقم (٤٥)، والحاكم: (١/ ٩٥ - ٩٦) وغيرهم، من حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه -.
قال الترمذي: «حديث حسن صحيح». وصححه ابن حبان والحاكم والبزار وغيرهم.
(٣) قارن بـ «إعلام الموقعين»: (٦/ ٣٨).