للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما هذا إلا بمثابة رَكْبٍ معهم هادٍ خِرِّيْت يُعَرِّفهم الطريق، فإنهم يتَّبعونه إلا أن يخالفه هادٍ آخرُ خِرِّيت من جنسه، فيحتاجون (١) حنيئذٍ إلى ترجيح لقول أحدهما على الآخر، فإنَّ هدايتَهم إلى طريقِ الحقِّ كهداية الأَدلَّاءِ على طُرُق الدنيا. فمقصود الحديث أنَّ كُلًّا منهم هادٍ بطريقِ الحقِّ بصيرٌ به، فمن اقتدى به اهتدى، وليس من شرط الهادي (٢) الخِرِّيت أن لا يُخطئ قط، فإنَّ لكلِّ عالمٍ عثرة وزلَّة، ولكن ذلك لا يمنع الاقتداء به في غير ذلك، فإذا لم يعارِضْه معارِضٌ من جنسه سَلِمَتْ دلالتُه عن المعارضة، فوجبَ اتِّباعُها، ولو كان وجود قولِه كعدمِه في وجوبِ اتِّباعه وكونه دليلًا على الحكم لم يكن مجردُ الاقتداءِ به اهتداءً.

وحَمْلُ ذلك على الرواية فاسد؛ لأنه لا فَرْقَ بين الصحابة وبين غيرهم من العدول في قبول الخبر؛ ولأن الاقتداء بالشخص اتخاذُه إمامًا وقدوةً، وليس ذلك فيما يرويه عن غيرِه، وإلا لكان أكابرُ الصحابةِ مقتدين بأصاغرهم إذا قبلوا أخبارَهم، ولَكَان الحُكَّام مقتدين بالشُّهود إذا قبلوا شهادَاتهم؛ ولأنه شَبَّهها بالنجوم، والنجومُ أدلةٌ هادية، وليست دلالتها من جهة الرواية، فعُلِم أنَّ الصحابة أدلة هادون يُسْتَدلُّ بهم كما يُسْتَدلُّ بالنجم؛ ولأنَّ الاقتداءَ أعمُّ من قبول الرواية، وهو نكرة في سياق الشرط؛ لأن الفعل نكرة؛ فيعم أنواعَ الاقتداء، تقديرُه: بأيِّ واحدٍ حَصَلَت لكم قدوةٌ به اهتديتم؛ ولأنَّ القدوة إمام مُتَّبَع، واتِّباعُه في الرواية، ومخالفتُه في غيرها إخراجٌ له عن الإمامة، وهذا ظاهرٌ لا خفاءَ به.


(١) الأصل: «محتاجون».
(٢) الأصل: «الهادِ».