واعلم بأن الدوران غير الدائر والمدار، ولا يتوقف وجوده عليهما. ثم المدار قد يكون مدارًا وجودًا وعدمًا، كالزنا الصادر من المحصن لوجوب الرجم عليه، فإنه لو وُجِد يجب الرجم، ولولاه لا يجب. وقد يكون وجودًا لا عدمًا، كالهبة لثبوت الملك، فإن الملك يُوجد عند وجود الهبة، ولا يُعدم عند عدمِها قطعًا، لاحتمال أن يكون ثابتًا بالإرث أو بغيره. وقد يكون عدمًا لا وجودًا، كالطهارة لجواز الصلاة، فإن الجواز يُعدَم عند عدم الطهارة، ولا يوجد عند وجودها جَزْمًا، لجواز أن لا يتحقق شرطٌ من الشرائط، كاستقبال القبلة وغيره.
ويُقال: بأن المدار إذا لم يكن معينًا لا يتم، كما إذا قال في مسألة الأكل والشرب: شيء هو متحقق هنا مُوجِبٌ لوجوب الكفارة، فإن الوجوب دار معه وجودًا وعدمًا، أما وجودًا ففي فصل الوقاع أول مرة، وأما عدمًا ففي الإفطار بالحصاة والنواة وغيرهما، لأن الخصم يقول: شيء وهو متحقق هنا موجب للعدم، فإن العدم دار معه وجودًا وعدمًا، أما وجودًا ففي فصل الأكل والشرب مرةً ثانية، وأما عدمًا ففي فصل الواقع أول مرة.
أما إذا كان المدارُ [٤ أ] مُعَيَّنًا فإنه يتم، كما إذا قال في هذه المسألة بأن الهتْكَ ــ وهو إفساد صوم رمضان بأحد الأفعال الثلاثة عن تعمُّد أول مرة ــ موجبٌ لوجوب الكفارة، لأن الوجوب دارَ معه وجودًا وعدمًا، أما وجودًا ففي فصل الوقاع أول مرة، وأما عدمًا فظاهر، ودورانُ الأثر مع الشيء وجودًا وعدمًا آيةُ كونِ المدارِ علةً للدائر، كما في النظائر.
ولئن قال: وجوب الكفارة كما دارَ مع الهتك، فكذلك دارَ مع الوِقاع