أما الأمر الثاني: فينبغي أن تسكن الرحمة في قلبه، فلن يستطيع العالم أن يبلغ رسالة الله، وأن ينصح للأمة إلا إذا أسكن الله الرحمة في قلبه، فإذا جاءه الحائر جاءه التائه جاءه مشتت الفكر جاءه السفيه بسفهه، والجاهل بجهله، تلقاه بالرحمة، التي يوفقه الله بها ويسدده بها لحسن العمل والتصرف، ولذلك قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يمتن عليه بنعمته:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[آل عمران:١٥٩] فأمره الله عز وجل بالعفو والصفح والرحمة، فلا إله إلا الله إذا سكنت الرحمة في قلوب العلماء، لا إله إلا الله إذا أصبح العالم مشفقاً على الأمة رحيماً بها، إذا جاءه الجاهل تلقاه بالرحمة وتلقاه بالحنان والعطف، كوالد يعطف على ولده، وإذا جاءه المسيء وقد قنط من رحمة الله، ويئس من روح الله، وجد عنده الكلمات المضيئة والنصائح الغالية، ووجد عنده كلمات تدل على أن وراءها قلباً يخاف الله مليئاً بالرحمة يحتسب ثوابها عند الله سبحانه، اقرءوا في تراجم العلماء وستجدون فيها الآثار الكريمة والصفحات المضيئة التي تدل على الشفقة وحب الخير للأمة، ولن يُفلح العالم إلا إذا مُلئ قلبه بالرحمة وبقدر فوات هذه الرحمة، يفوت الخير الكثير.
الرحمة: هي التي يقف فيها العالم للفقير، الرحمة: هي التي لا يمكن للعالم أن يميز فيها بين الناس فيرى الناس، في عينه سواسية لا فضل لأحدٍ على أحد إلا بتقوى الله سبحانه وتعالى، إنها الرحمة التي أمر الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وسلم، بل وعاتبه من فوق سبع سماوات حينما جاءه الأعمى وهو يخشى يريد أن يتزكى، فكان ما كان من رسول الأمة صلى الله عليه وسلم اجتهاداً في الخير فقال الله:{عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى}[عبس:١ - ٤] فالرحمة لا بد منها، وبها يستطيع العالم بإذن الله عز وجل أن يسع الناس بحلمه وعطفه وإحسانه وبره.