أيها الأحبة في الله: أصدق كلمة خرجت من الأفواه كلمةٌ تذكِّر بكلام الله، وأحب الكلام إلى الله القرآن، به ختم الله الرسالات، وقطع به الحجج والبينات، فأقامه شاهداً على وحدانيته، ودليلاً على عظمته وألوهيته، ولقد تكفل الله عز وجل للقرآن بالعز، وجعل أهل القرآن في العزة والمكانة والجلالة والكرامة، فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، ما عاش أحدٌ مع كتاب الله عز وجل إلا قاده إلى الله، وعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى.
أهل القرآن تمكن حب القرآن من أفئدتهم، وعاشوا مع تلك الآيات ساعات ليلهم ونهارهم، إذا جاء الليل بثوبه فأرخى عليهم سدوله، وجاء الرجل منهم بعد أن أعياه التعب والنصب لكي يضع كف الراحة، ويبدي للنفس ما هي به من استراحة، جاءته آيةٌ من كتاب الله، أو عظةٌ من كلام الله، فأقضت مضجعه ونغصت نومه، وقادته للوقوف بين يدي ربه، فهان عليه النوم والكرى، وقام يناجي ربه جل وعلا، تحركه آيات القرآن لكي يقف بها بين يدي الواحد الديان، حتى إذا تلا فاتحته، واستفتح علومه وأخباره، إذا بتلك الآية تذكره بما عند الله عز وجل من النعيم، أو ما عنده من العذاب والجحيم، فقرعت مسامعه مقارع التنزيل، فقادت قلبه وقالبه إلى العظيم الجليل.
يستفتح الآية من الجنان، حتى إذا استقرت منه في الجنان فتذكر ما فيها من الروح والريحان، وما فيها من الكرامة من ربه الديان، أحس بأن الشوق يقوده إلى الله، ونادى بلسان حاله ومقاله: رباه رباه، إذا ذكر بالجنان وما عند الله من الروح والريحان بكى، واشتجى إلى ربه واشتكى؛ لأنه يخاف أن تحول ذنوبه بينه وبين تلك الفرقة الصالحة، فكم نزل بالجنان من الأخيار، وكم تقلد ما فيها من الحور وحسن القرار؛ من أممٍ خلت، في أزمنةٍ مضت، أطاعت ربها وسارت على نهج خالقها.
فإذا قرأ المؤمن آية الجنان يخاف أن تنقطع ما بينها وبينهم من العرى، يخاف أن ينقطع المسير به، فيحال بينه وبين الجنان بسبب الذنوب التي أصابها، والعيوب التي اقترفها، يخاف من ذنبٍ يحول بينه وبين الله، أو إساءةٍ تبعده عن جوار الله، وإذا ذكر الآية التي فيها ذكر النيران والجحيم وسخط الديان، خاف من الله عز وجل أن يكون ذلك مآله، وأن ينتهي به إلى ذلك المنتهى فيكون قراره، فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا ذلك الرجل الذي يعيش مع القرآن عظاته، ويحيا بآياته.