بعض الناس هداهم الله عندما ننصحهم يقولون: ساعة لقلبك وساعة لربك، وبعض الناس يستدل بالحديث:(روحوا القلوب ساعة وساعة) فكيف نردُّ على ذلك، وجهنا أثابك الله؟
الجواب
باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فالنصيحة خير لمن تكلم بها وخير لمن سمعها وعمل بها، النصيحة -في الحقيقة- ما هي إلا حجةٌ تلقى من الله عليك، وستأتي بين يدي الله عز وجل، ويسألك عن هذا الكلام الذي سمعته هل عملت به أو لم تعمل؟ ويقول الله لك: يا عبدي! فعلت كذا؟ فقلت: يا رب فعلت، فيقول الله: ألم ينصحك عبدي فلان، ألم تبلغك حجتي مع فلان؟ فتكون النصيحة حجة لك أو عليك، ليست النصيحة كما يظن الناس أنها مجرد كلام يقال ممن يتكلم به، لا والله! ما هي إلا حجة قيضها الله لكي تلقى في هذه الأذن، فتشهد بين يدي الله عز وجل أنها سمعت، وتلقى في تلك القلوب فتشهد بين يدي الله أنها أصغت وأنها وقرت، فهذه النصيحة ما هي إلا حجة لك أو عليك.
فالإنسان الموفق الصالح إذا سمع النصيحة يقول لمن نصحه: جزاك الله خيراً، نعم إنني مقصر وأسأل الله العظيم أن يوفقني، فيرد الرد الجميل الذي يدل على خوفه من الله وخشيته لله سبحانه وتعالى، أما أن يتهرب أو يتهكم أو يعتذر لنفسه فهذا على خطر حينما يقول: ساعة لربك وساعة لقلبك! ما هي الساعة التي للقلب؟ هل المراد بها الساعة التي تنتهك بها حدود الله وتغشى بها محارم الله؟! فبئس -والله- الساعة، لا والله لا يملكها القلب، ولا يرضى بها قلب يؤمن بالله عز وجل.
أما إذا كانت من الترويح والاستجمام، والمراد بها الأمور المباحة التي يوسع الإنسان فيها عن ضيق نفسه فلا حرج، كون الإنسان إذا أصابته السآمة والملالة خرج إلى نزهة، أو لاطف أخاه أو مازحه أو ضحك معه بالمعروف لا حرج، كان محمد بن سيرين -سيدٌ من سادات التابعين- إذا جن عليه الليل سُمع البكاء من بيته، يقوم بكتاب الله عز وجل فتبكيه آيات القرآن، وإذا أصبح الصباح سُمع الضحك من بيته، إذا جن عليه الليل أعطى حقه لله، وإذا جاء الصباح والنهار آنس الناس وأدخل السرور على طلابه وأدخل السرور على أحبابه وزواره، وهذه من الأمور التي وسع الله بها على الأخيار، فديننا دين رحمة، ودين تيسير، ولكن بشرط ألا يبالغ في هذه الأمور.
وكما مثل العلماء للمرح واللهو بأنه كالملح في الطعام، فإذا كان اللهو مباحاً والمرح مباحاً وزاد عن حده كان كملح في الطعام أفسده، وكذلك طاعة الإنسان الملتزم إذا أكثر في المزاح والعبث والضحك واللهو، ذهب بهاء الهداية وذهب بهاء الإنسان الملتزم بدين الله وشريعته، ونظرت إليه العيون نظرة انتقاص بقدر ما يكون منه من زيادة في هذا الأمر، ولكن إذا أخذ بالمعروف، وبالقدر المعتبر، فإن ذلك خير ولعل القلوب أن تتقوى على الطاعة بما يكون من المباحات، وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا وجد السآمة في مجلس العلم رمى بالطرفة والنكتة التي يضحك بها القوم، وهي من المباح ومن الأمور التي أحلها الله عز وجل دون أن يكون فيها أذية لمسلم أو هتك ستر الله عليه أو نحو ذلك من الذنوب والمعاصي والله تعالى أعلم.