للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثبوت الأخوة باتساع الصدور]

إذاً: لا بد لهذه الأخوة أن تثبت ولكنها تحتاج إلى رجال صادقين، تحتاج منا أن تتسع صدورنا إذا حصل أي خلاف أو شقاق، فلا نعين أهل الخلاف والشقاق على الخلاف والشقاق، وإنما قول بالحسنى وابتغاء لمرضاة الله جل وعلا، وإحسان لا إساءة، وجمع لا تفريق، وتأليف لا شتات، فهي وصية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ومن رحمة الله أن الغالب في أهل الإيمان مهما وقع بينهم من الخلافات، ومهما وقع بينهم من الشقاق؛ فإن صدورهم رحبة، أهل الإيمان -غالباً- مهما يقع بينهم فإن صدورهم رحبة.

وأذكر ذات مرة أن شابين كانا دعاة في بلدهما، وكان بينهما من العداوة والفرقة شيء كثير، وحصل ما حصل وكنت لا أعرفهما، فجاء شخص وأخبرني وشاء الله أنهما اجتمعا في المدينة في مناسبة من المناسبات فدعوتهما -وهذه أقصها لكي أبين أن القلوب لا زال فيها خير- وكان بينهم من القطيعة والتهم وبينهم من الشقاق الشيء الكثير، فشاء الله أني انفردت بأحدهما وذكرته بالله عز وجل، وبينت له ما للعفو وللصفح من خير، وما للإسلام من مقصد في جمع القلوب إلى آخره، ورهبته بالله، كيف يكون هذا من هذه القلوب البريئة؟! يقسمون المسلمين وكل ذلك لمصالح شخصية، وكل ذلك لأشياء لا تمت إلى الإسلام بصلة، كل يتهم الآخر، وكل منهما ينابذ الآخر، كلمت الأول وكلمت الثاني ثم جمعتهما مع بعضهما، فشاء الله أنني رغبتهما بالصلح قبل أن يصطلحا وبينت لهما الخير والفضل في الذي يبدأ قبل الآخر، ووالله بمجرد أن انتهيت من الحديث وكل منهما يهجم على الآخر يريد أن يكون هو البادئ بالسلام، يريد أن يكون هو الذي يعفو ويبكي ويقول له: سامحني! وكل منهم يحس أن التقصير منه، وببداية الأمر كل منهما يحس أنه هو صاحب الكمال، لكن إذا قرعت قلوب أهل الإيمان بقوارع التنزيل عرفت قدر نفسها؛ ولذلك لا يعرف إنسان قدر نفسه بشيء مثل خشية الله، خشية الله إذا دخلت إلى القلب جعلت صاحبها في الحضيض وجعلت تتهمه بكل تقصير.

فلذلك -سبحان الله عجبت!! - فما تمالكت نفسي في موقف عجيب! كان بينهما من القطيعة والتهم الشيء الكثير وكل منهما يحاول أن يسبق الشخص الآخر وجمع الله قلوبهما، ونسأل الله أن يجمعها إلى يوم الدين، ويجمع قلوبنا أيضاً معهم على طاعته ومرضاته، المقصود أن هذا يدل على أن القلوب فيها خير.