للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[حكم ضرب الأبناء]

السؤال

ما هي الحدود الشرعية في ضرب الأبناء؟ وما هي أنواع الضرب الجائزة شرعاً؟

الجواب

أولاً: لا يُضْرَب الابن إلا من حاجة، وذلك إذا أعيت الحيلة بالتوجيه، ولذلك ينبغي على الأب في أول شيء أن ينصح، وأن يوجه، فإن حصل العمل بنصيحته وتوجيهه فالحمد لله، وإذا لم يحصل العمل يُهَدِّد، ومما اتفق عليه الحكماء أن الأب إذا لاحظ من ابنه أو ابنته تقصيراً، فهدَّد وخوَّف بالضرب أو العقوبة فليس من المحمود أن يتخلف عن العقوبة إذا فعل الابن أو فعلت البنت التقصير، بمعنى إذا قلتَ له: إذا عدت إلى هذا الأمر فسأضربك، فإن عاد فاضربه مهما كان الأمر؛ لأن ذلك من أبلغ ما يكون من الزجر؛ لأنه إذا هدَّده بعد ذلك مرة ثانية عَلِم أنه إذا فعل سيُضْرَب وسيُؤَدَّب، والضرب يُعْتَبر من أساليب التربية التي أقرها الكتاب وأقرتها السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن من الأبناء والبنات من يُقرع باللسان، ومنهم من تقرعه اليدان، فلا ينفع فيه توجيه ولا إحسان، فيحتاج إلى الزجر وإلى العقوبة؛ ولكن بعد أن تُعْيِي الحيلة في التوجيه.

فالأول: أن تكون هناك حاجة؛ كمعصية الله جل وعلا، أو ترك أمرٍ من أوامر الله، فهذان أمران: إما فعل حرام.

أو ترك واجب.

فترك الواجب مثل: الصلاة.

وفعل الحرام مثل: السب والشتم، أو النميمة، أو الأذية للناس، فتقول له: لا تسب بعد اليوم ولا تشتم؛ فإن سبَّ مرةً ثانية وشتم، فإنه إذا غلب على ظنك أن تأديبه بالضرب ينفعه فاضربه؛ ولكن بحدودٍ وقيود، فلا تقبِّح الوجه، ولا تكسر العظم، ولا تشوِّه الصورة، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لطم الوجوه، ولذلك نص بعض العلماء على أن ذلك يعتبر من الذنوب.

فلا يُلْطَم الوجهُ خاصةً من المسلم، فإذا أردتَ أن تضرب فاضربه في قفاه، أو في قدمه، أو في يده، بشروط: ألاَّ تكسر له عظماً.

وألاَّ يكون ضرباً مبرحاً.

كذلك ينبغي أن يكون هذا الضرب بعيداً عن الغير.

فإن الآباء لا يفرقون بين أمرين: الضرب للتوجيه والإرشاد ومحبة الخير.

والضرب من أجل إشفاء الغليل، وإثبات السلطة والقوة والقهر.

فإن كان ضرب الوالد من أجل أن يثبت السطوة والقوة والقهر في البيت، فإنه يعتبر آثماً شرعاً والعياذ بالله؛ لأن نيته تخالف مقصود الشرع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) فهو آثم بنيته، وأما فعله فإن جاوز فيه الحد فهو آثم أيضاً.

فالمقصود: أن الأب ينبغي أن يكون ضربه للتوجيه والإرشاد، ولذلك يظهر هذا الخلل حينما يَضْرِب الإنسانُ من أجل التوجيه والإرشاد تجد ضربَه على قدر الحاجة، ولكن إذا ضربَ من أجل شهوةِ النفس وحظوظها، فإن ذلك -والعياذ بالله- يكون بمجاوزةٍ لحدود الله في الغالب، وقد ينتهي في الغالب إلى كسر عظم، أو تشويه صورة، أو غير ذلك، نسأل الله السلامة والعافية من الأمور المحرمة.

فلا ينبغي للوالدين أن يؤذيا الأولاد بكثرة الضرب، وقد قال الحكماء والأطباء: إن كثرة الضرب للأبناء تُحْدِث عندهم نوعاً من شرود الذهن، وكثرة الخوف والرعب، وقد يصاب الابن -بسببها- بأمراض خطيرة، منها: أمراض في نفسيته.

وقد تكون أمراضاً في جسده.

وقد تسبب له أذية حتى في شهوته.

وإذا حصل هذا كله فيحمل وزره -والعياذ بالله- الأب والأم الجائران في ضربه.

فلا ينبغي هذا، بل ينبغي أن يتقي اللهَ العبدُ، وأن يصلح ولا يفسد، وأن يحسن ولا يسيء، نسأل الله للجميع التوفيق والرعاية.

والله تعالى أعلم.