للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم الالتفات إلى المستهزئين والعاقبة للمتقين]

السؤال

فضيلة الشيخ: أنا صاحب قلب قاسٍ، وأريد أن أتوب ويلين قلبي، وأريد أن أحيا حياة سعيدة طيبة، ولكن أخشى الاستهزاء من الآخرين، فماذا أفعل، وما هو الحل جزاكم الله خيراً؟.

الجواب

باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فأبشر أخي في الله! بكل خير ترجوه من الله عز وجل، ما دمت أنك تحس أن قلبك قاسٍ، وتجد من نفسك الندم من هذه القسوة فهذه بداية خير، والله تعالى لا يورث الإنسان الندم إلا وهو يريد منه أن يتحرك إليه سبحانه وتعالى، وأوصيك أخي في الله! أن تجتهد في الإقبال على الله عز وجل، وألا يمنعك سخرية الساخرين ولا استهزاء المستهزئين عن طاعة رب العالمين، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، والله ما تطيع الله عز وجل إلا أورث الله هيبتك في القلوب، فاليوم الأول يستهزئون، واليوم الثاني يضحكون، واليوم الثالث إذا بالقلوب قد تغيرت، وجرب وستجد ذلك، وقد وجدنا هذا، أول شيء يستهزئون بك لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قال: (قولوا: لا إله إلا الله) استهزءوا به، ولما قال الصحابة: (أحد أحد) اُستهزئ بهم، ولما قال الصالحون: (إنا إلى الله تائبون منيبون) اُستهزئ بهم، ولكن ما هي العاقبة؟ ما هي النتيجة؟ ما هي الثمرة؟ إنها رضوان الله عز وجل، ولذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يستهزئون به، وسموه الساحر، والمجنون، والأفاك الأثيم، وتوفي وهو سيد الأولين والآخرين، صلوات الله وسلامه عليه، فالعبرة بالعواقب، وهذا الاستهزاء يكفر الله به ذنوبك، ويجعله الله عز وجل رفعة لدرجاتك، فما عليك من الاستهزاء والسخرية، ويوم القيامة تجتمع عند الله الخصوم، وكما استهزءوا بالمطيعين لله فيستهزئ بهم المطيعون: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:٣٤ - ٣٦].

فأبشر أخي بكل خير، وأقبل على الله عز وجل، إذا استهزأ بك الأشرار فسيبدلك الله محبة الأخيار، وإذا استخف بك البعيدون عن الله فسيعظمك ويحبك القريبون من الله، وشتان ما بين الفريقين، وشتان ما بين الطائفتين، والله تعالى جعل جنده هم الغالبون وهم الفائزون، وهذا وعد لن يخلفه الله عز وجل، فأبشر بكل خير، قال بعض السلف: (والله ما قام عبد لله مقام ذل إلا أقامه مقاماً أعز منه) يعني: إذا التزمت وأطعت الله وسخر منك الناس، فسيقيمك الله مقاماً يجلك فيه الناس، ولذلك تجد الشخص إذا رأى شاباً ملتزماً مستقيماً فإنه يحس في قرارة قلبه أن هذا الشاب الملتزم شيء كبير، ووالله حتى العصاة ينظرون إلى أهل الطاعة نظرة إجلال، وكم مرة سمعت بأذني من أناس عصاة يقولون: يا شيخ نتمنى أن نكون مثل الأخيار، نتمنى أن نكون مثل هؤلاء الصالحين الذين نجد فيهم الوقار والسكينة والقرب من الله، نتمنى أن نكون مثلهم، فالمرة الأولى استهزاء، والمرة الثانية سخرية، ولكن العاقبة للتقوى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:١٢٨]، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم ألا يجعلنا ممن حجبه استهزاء الناس عن طاعة رب الناس، فانج بنفسك قبل أن يدهمك الأجل وتستنفد الأمل، وعندها لا ينفع الإنسان إلا ما قدم من صالح القول والعمل، والله تعالى أعلم.