[الوصية الأولى: الشعور بالأمانة والمسئولية]
الحمد لله الذي خلق الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الجلال وله الأسماء الحسنى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده رسوله الذي اصطفي واجتبي، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي النهى، وعلى جميع من سار على نهجهم واقتفى.
أما بعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله العظيم الكريم في بداية هذا المجلس المبارك أن يبارك لأهل هذا الزواج في زواجهم.
اللهم بارك لكلا الزوجين في زواجهما، اللهم بارك لهما وعليهما، واجمع بينهما في خير، اللهم ارزقهما الذرية الصالحة التي تقر بها الأعين.
أيها الأحبة في الله: هذا الموضوع -موضوع الألفة الزوجية- موضوع عظيم، يحتاجه أهل الإسلام؛ لكي يعي المسلم عظيم هذه الرسالة النبوية، وهذه الشعيرة المحمدية التي بعثه الله عز وجل بها رحمة للعالمين، ونعمة لخلقه إذا اتبعوه أجمعين.
إن الحياة الزوجية تبتدئ رسالتها من أول لحظة يعقد فيها الإنسان على المرأة، حيث يحس فيها أنه قد تحمل المسئولية أمام الله، وأنه قد وضع في عنقه أمانة عظيمة يقف بها بين يدي الله جل جلاله.
إذا كتب عقد القران فمعنى ذلك أنها مسئولية وأمانة بين يدي الرحمن، فلذلك يحس الإنسان أنها حياة مبنية على أسس وواجبات شرعية، فليست هي اللذة والشهوة وقضاء الوطر، ولكنها مبادئ كريمة، وأسس عظيمة أرساها كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكي يسير المسلم في حياته الزوجية السيرة الحميدة، فيبني للأمة بيتاً يقوم على طاعة الله، وأسرة تحيا لمحبة الله ومرضاة الله.
ففي هذه اللحظة الأولى يصبح الإنسان بسببها مسئولاً عن بيت كامل، وعن امرأة، إما أن تكون له طريقاً إلى الرحمة أو طريقاً إلى العذاب، فكم من عقود عقدت انتهت بأصحابها إلى محبة الله ومرضاة الله، وكم من زواجات انتهت بأهلها إلى الجنات والمرضاة، تلك القلوب التي دخلت بيوت الزوجية، وهي تحس برسالة ربها، وتعظيم الأمانة الملقاة على عاتقها، فقامت بواجباتها خير قيام، فربت الأسرة على محبة الله، ومرضاة الله، ودخلت الزوجة على زوجها لكي يقودها إلى رحمة الله، ولكي تقوده إلى مرضاة الله وعفوه.
هذه الرسالة العظيمة التي رحمنا الله عز وجل بها، فحصنت بها الفروج، ودلت بها على منهج العفاف والكفاف، هي منهج النبي صلى لله عليه وسلم، ومنهج الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وفي كتاب الله عز وجل، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم مناهج ربانية، وسيرٌ نبوية، تقود المسلم إلى الحياة الزوجية السعيدة.
فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أساساً عظيماً ينبغي لكل زوج بعد أن يدخل بيت الزوجية أن يحسه ويستشعره.
فأول شعور تحس به: الأمانة، وثاني شعور يرثه الإنسان بعد الشعور بالأمانة: أن يكون خير الأزواج لزوجه، ولذلك كم فاضل الله بين الأزواج، فكم من زوج خير بر كريم حليم رحيم أحبه الله بلطفه لأهله، وعطفه وشفقته على زوجه وولده، وكم من قلوب رحيمة بنت بيوت الزوجية على المحبة والمودة والرحمة فرحمها الله بتلك الرحمة، ولذلك صدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (خيركم خيركم لأهله) كما ثبت عنه في الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
خيركم أي: أعظمكم مقاماً عند الله، وأرفعكم قدراً عند الله، من كان خيراً على أهله، ومن كان رحمة لزوجته ولم يكن عذاباً عليها، ومن كان نعمة لها لا نقمة عليها، ومن كان حكيماً حليماً رحيماً يغزو قلب تلك المؤمنة بالمحبة فتهابه حباً لا كرهاً، وتهابه رغبة لا رهبة ولا أذى ولا إضراراً.
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم له تسع نسوة، ما اشتكت واحدة منهن يوماً من الأيام منه صلوات الله وسلامه عليه، تسع نسوة على محبة له وصفاء، وعلى إجلال له وكرامة ووفاء.