[ظاهرة انتشار العنوسة في المجتمعات]
السؤال
انتشرت العنوسة في المجتمعات، والمشايخ جزاهم الله خيراً ذكروا أسباب هذه الظاهرة، ومنها: غلاء المهور، ومواصلة التعليم، ولكن ثمة أسباب غفل كثير من المشايخ عنها وهي: أن الآباء هم أيضاً سبب في هذه العنوسة، فأكثر الفتيات يتقدم إليهن شباب ملتزمون، ومن عائلات محترمة محافظة، ولكن الآباء يواجهون ذلك بالرفض، وذلك لأنهم يريدون أن يكون هذا الزوج من القبيلة، فهذه عادات وتقاليد موروثة من الآباء أو يكون سعودي الأصل، والرسول صلى الله عليه وسلم كما تعلمون يقول: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه) فهل من نصيحة لعل الآباء يسمعون، جزاكم الله خيراً؟
الجواب
أما هذه المسألة ففي الحقيقة قد كثرة الشكوى منها، ولقد وصلني عدد من الرسائل من النساء المؤمنات، ويعلم الله الذي لا إله إلا هو أنني لم أستطع إكمال بعضها من البكاء، لما فيها من الأشجان والأحزان والأمور المروعة والمؤسفة، وهذه من المظالم التي بلي بها كثير من النساء المؤمنات، سواء في الأسباب التي ذكرتها أو غيرها من الأمور التافهة، كالنظر إلى غنى الزوج وثرائه، وعلو مرتبته ومنصبه، فهذه كلها من المآسي التي بلي بها المجتمع في هذا الزمان، وذلك لضعف الإيمان في قلوب كثير من الرجال.
والقصص في هذه المآسي كثيرة، ولاشك أنها تعتبر ظاهرة ينبغي فيها عدة أمور: الأمر الأول: العناية بها من أهل العلم والفضل ووجهاء المجتمع، وأن يكون هناك توجيه للآباء بتزويج بناتهم من الأكفاء، وأداء هذه الأمانة والمسئولية على الوجه الذي يرضي الله عز وجل.
إن موازين الإسلام ثابتة وأصوله بينة واضحة، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الأمور التي تنكح لها المرأة ويزوج لها الرجل، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
فلا مانع أن تزوج المرأة من قريبها، وشيء حسن إذا كان ابن العم كفوءاً كريماً صاحب دين وخلق، أو كان القريب ابن الخال أو نحوه كفوءاً كريماً، وزوجاً صالحاً فلا حرج، والأقربون أولى بالمعروف، وينبغي للمرأة أن يتسع صدرها للقريب وأن تحبه وتكرمه، وأن تنظر إلى حقه في القرابة، ولكن الحرج كل الحرج أن يُضحى بالمرأة لإنسان لا دين له ولا أخلاق ولا مروءة ولا كفاءة، فهذا من الظلم الذي يحرمه الله عز وجل على العباد.
ووالله ما من أب وولي يوقع موليته في إنسان ليس بكفء إلا حمل أوزارها، وسئل بين يدي الله عز وجل عن همومها وغمومها، وما اكتحلت عيناها السهر في هم ولا غم إلا كان شريكاً لها في ذلك الإثم كله.
فلذلك ينبغي للآباء أن يتقوا الله عز وجل، ويخافوا الله عز وجل في هذه المسئولية العظيمة، والأمانة الجليلة، ونحن نقول: لا حرج من النظر إلى القريب الكفء، ولكن الحرج كل الحرج أن يزج بالنساء العفيفات الصالحات الطاهرات لمن لا خير فيه.
الأمر الثاني والذي ينبغي أن يعمله كل من سئل عن امرأة: أنه لا مانع أن يمتنع من قريبها، ولكن يبحث عن كفء آخر لها، أما أن يبقي المرأة على عنوستها تراودها الأفكار، وتتعرض لمخالب الأشرار آناء الليل وأطراف النهار، فإنه سيبوء بغضب الله عز وجل الواحد القهار.
هذه جريمة عظيمة، ومسئولية كبيرة، فينبغي لكل من حمل أمانة الأبناء والبنات أن يتقي الله عز وجل، وأن يزوج بنته وكريمته من الكفء.
ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يمن على المسلمين بصلاح الأحوال إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله.