للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التثبت من وجود المنكر]

النقطة الثانية: قال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا) ومعنى رأى أي نتأكد, ونتحقق, ونتثبت, لا نعجل في الناس، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:٦] فقط التبين والتثبت, ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إلا أن تروا منكراً عندكم فيه من الله برهان) جمع بين الأمرين, كوننا نرى فلا نتتبع الظنون, وكونه يكون منكراً عندنا فيه من الله حجة وبرهان.

وهذه أصلاً طبيعة إنكار المنكرات، فكل إنسان إذا ابتلي بعمل فسيتأثر من خلال عمله, وكانوا يقولون -مثلاً- القاضي من كثرة ما يمر عليه من جرائم الناس والفحش وما يقع منهم من مصائب، ربما يصبح عنده نوع من ردة الفعل؛ لأنَّ الإنسان ضعيف والنفس البشرية ضعيفة قد يتعجل وما يتحمل فيقول: لا يسلم من الناس إلا القليل, بسبب ما يرى وقد يرى أناساً سيماهم الخير ويقعون في المنكرات.

فطبيعة معالجة المنكرات والوقوف فيها قد تجعل الإنسان يصل إلى درجة يتحسس فيها أكثر من اللازم, وهذا نبه عليه العلماء في إنكار المنكرات, فكوني أتعامل مع المنكرات، يقتضي مني ألا أتعجل، والسبب في ذلك أن أعراض الناس محرمة, وقد قرن الله العرض بالدم، ففي خطبة حجة الوداع يقول صلى الله عليه وسلم في الخطبة المشهورة التي ما قام النبي صلى الله عليه وسلم في أمته مقاماً مثلها, وقد جمع الله فيها الأمة عليه صلى الله عليه وسلم، وما جمع الله مجمعاً لرسوله صلى الله عليه وسلم مثل حجة الوداع، فكان فيها أن قال للأمة: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم) فجعل العرض مقروناً بالدم, فكما أن دم المسلم حرام وماله حرام كذلك عرضه حرام.

ولذلك عظم الله أمر العرض، وقطع بالكلام في الأعراض شهادة الشاهد, فالذي يقذف -والعياذ بالله- بلسانه غيره بالزنى ولا يقيم البينة ولو كان من الصحابة فإنه يجلده؛ لأن الله خاطب به الصحابة، يقول العلماء: ولو كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقم أربعة فإنه يجلد, كما فعل عمر رضي الله عنه بأبي بكرة رضي الله عن الجميع, ليس هناك مجاملة في أعراض الناس, أعراض الناس محترمة، ولذلك عظم الله عز وجل ذلك في كتابه فنهى عن الظن: {اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات:١٢] ومعنى هذا: أن القليل من الظن يصيب، والكثير فيه خطورة, وخلل على الإنسان ينبغي أن يتنبه له, توضيح ذلك: أن الإنسان لا يقدم على تتبع شيء إلا إذا احتفت قرائن قوية على وجود هذا الشيء وظهرت القرائن فالشريعة تُعمل القرائن القوية, لكن إذا لم يكن هناك دليل بين وواضح فالأصل في المسلم سلامته, وعدم المساس بعرضه إلا بحجة ودليل, ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تتبع العورة فقال: (إنك إن تتبعت عوراتهم أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم) , فإذاً الأصل أننا نقول في المسلم: أنه سالم حتى يدل الدليل على وجود خلل فيه أو نقص.