للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة]

السؤال

هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؟

الجواب

قوله في الحديث الماضي: (كتب له قيام ليلة) قالوا: يكتب له أجر قيام الليلة كاملاً، وفرق بين قوله: (كتب له قيام ليلة) وبين الحكم في كونه قد قام الليلة كاملة، هناك فرق بين المسألتين وتوضيح ذلك في العشر الأواخر، ففي العشر الأواخر يندب إلى إحياء الليل، فبعض الناس يصلي مع التراويح ثم يقول: إذا صليت التراويح وخرجت مع الإمام كتب لي إنني أحييت الليل فيذهب وينام، ويقول: إنني قد أخذت الفجر والفضيلة، والواقع أن هناك فرق بين الفضيلة وبين الحكم، (كتب له قيام ليلة) أي: كتب له أجر قيام الليلة، ولكنه لا يحكم بكونه قد قام الليلة فيما ندب إلى إحياء الليل فيه كاملاً؛ لأن الإحياء لا يكون إلا حقيقة، فقوله كما جاء (وأحيا ليله) لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعلى هذا فإنه يكتب له أجر القيام.

وأما بالنسبة للاعتكاف فالأصل في قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:١٨٧] هذا أصل عام أخذ منه جماهير العلماء رحمة الله عليهم منهم الأئمة الأربعة وهو قول داود الظاهري والحديث أن الاعتكاف جائز في المساجد كلها من حيث الجملة، إلا أن من نوى أن يعتكف العشر الأواخر أو نذر أن يعتكف العشر الأواخر فإنه لا يعتكف إلا في مسجد فيه الجمعة؛ لأنه إذا نذر اعتكاف العشر كاملة حرم عليه أن يخرج، فإذا جاء يوم الجمعة وهو في مسجد لا يجمع فيه فمعنى ذلك إما أن يبطل نذره بالخروج؛ لأن المعتكف لا يجوز له الخروج إلا من ضرورة وحاجة تتعلق ببدنه، وإما أن يضطر إلى ترك الجمعة ولا يجوز لمثله أن يترك الجمعة.

فلذلك إذا نذر وفرض على نفسه اعتكاف العشر كاملة فإنه لا يعتكف إلا في مسجد فيه جمعة، وهذا هو الأصل الذي دعا بعض العلماء أن يقول: اعتكاف العشر لا يكون إلا في مسجد يجمع فيه حتى لا يضطر إلى الخروج، أما لو نذر أن يعتكف ليلة وجاء في أي مسجد واعتكف فيه لا بأس ولا حرج، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام قوله: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) وهذا الحديث حسن بعض العلماء رحمة الله عليهم من المتقدمين والمتأخرين إسناده وقال مجاهد بظاهره، ومجاهد بن جبر تلميذ ابن عباس قال: [إنه لا يجوز الاعتكاف إلا في واحد من المساجد الثلاثة] ولكن خالفه جمهور العلماء على ظاهر الآية الكريمة.

ولذلك أيضاً قالوا: إن قوله: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) هذا معروف في أسلوب الشرع النفي المسلط على الحقيقة الشرعية كقوله: (لا إيمان لمن لا أمانة له) (ولا صلاة بعد صلاة الصبح) (ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) تارة يرد ويراد به الكمال، وتارة يرد ويراد به نفي الصحة، فتردد الحديث هنا بين أن يحمل قوله: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) بين أن يحمل على الفضيلة، أي: لا أفضل من الاعتكاف في المساجد الثلاثة فلا اعتكاف كامل إلا في المساجد الثلاثة؛ لأن المسجد الحرام فيه فضيلة الطواف التي لا توجد في غيره، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم دونه ففيه فضيلة الألف الصلاة التي لا توجد فيمن دونه، والمسجد الأقصى فيه فضيلة مضاعفة الصلاة خمسمائة صلاة، فأصبح من يصلي ويعتكف في هذه المساجد قد حصل على كمال الاعتكاف ما لم يحصله في غيره، فصار كقوله: (لا إيمان لمن لا أمانة له) أي: لا إيمان كامل لمن لا أمانة له، وكقوله: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) أي: لا وضوء كامل لمن لم يذكر اسم الله عليه لوجود الصارف من الأدلة الأخرى وهذا هو قول جمهور العلماء، والله تعالى أعلم.