[الاستجابة الصادقة لأوامر الكتاب والسنة]
الخصلة الأولى: أول هذه الخصال وأحبها إلى الكريم المتعال، خصلة تعلقت بسويداء قلب المؤمنة، خصلة دخلت إلى أعماق قلبها لا يعلمها إلا الله، تلك الخصلة التي تحقق بها إيمانها وتصدق بها التزامها بشريعة ربها، إنها الاستجابة الصادقة لأوامر الكتاب والسنة، فأعظم أخلاق المؤمنين والمؤمنات وأحبها إلى الله عز وجل: الاستجابة الكاملة للكتاب والسنة، فمفتاح الخير كله في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ولقد شهد الله عز وجل في كتابه أن من أطاعه وأطاع رسوله صلى الله عليه وسلم فقد فاز فوزاً عظيماً، فقال سبحانه يهذب من المؤمن والمؤمنة أخلاقهم في الاستجابة للكتاب والسنة: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:٦٦ - ٦٨] فإن أحببت من الله عز وجل الحب والرضا، يكون ذلك موجباً لكِ للتمسك بالعروة الوثقى؛ فخذي أوامر الكتاب، وسيري على منهجه لكي تهتدي إلى السنة والصواب، خذي بأوامر الدين وعضي عليها بالنواجذ دون تكذيب ولا ميل، خذي بأوامر الكتاب كما أخذته الفاضلات من الصحابيات الجليلات.
أختاه: إن مقامك عند الله على قدر العمل بالكتاب والسنة، فإن الله لا ينظر إلى الأنساب والأحساب والجمال والكمال، ولكن ينظر إلى ذلك القلب الذي أقبلت به عليه، أن تسكنيه الاستجابة الصادقة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ما أكملها وأجلها وأحبها لله من مؤمنة إذا قيل لها قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت بلسان الحال والمقال: سمعت وأطعت غفرانك ربنا وإليك المصير.
أختاه: حققي هذا الإيمان وحققي الالتزام بدين الرحمن، حينما تكوني أصدق المؤمنات استجابة للكتاب والسنة، واعلمي أن الله تبارك وتعالى سيسألك عن هذا الدين وعن هذا الكتاب وعن سنة سيد المرسلين، فأيما آية بلغتك فإنما هي حجة لكِ أو عليكِ، واعلمي أن الله تبارك وتعالى سيجعل هذا الكتاب بينك وبينه، فإن استجابت المرأة لمنهج ربها وأحبته والتزمته واتبعته؛ كتب الله لها السعادة، وتأذن لها بالفضل والزيادة.
واعلمي أن الله تبارك وتعالى لا يغرس الاستجابة في قلب إلا أحب قالبه، فأحبي أوامر الدين، وخذيها دون تكذيب ولا ميل.
ومن الاستجابة لأوامر الكتاب والسنة: فعل فرائض الله، وترك محارمه، وعفة الأقوال والأفعال، فبعد هذه الاستجابة الكريمة تظهر على المؤمنة في أقوالها وأفعالها وخصالها وآدابها آثار الاستجابة لربها.
أختي المسلمة: إن هذه الاستجابة تظهر في الجوارح حينما تكون المؤمنة أكمل المؤمنات أخلاقاً في الأقوال والأفعال، تظهر هذه الاستجابة الصادقة في قلب عفيف عن الحسد والبغضاء، والسوء والشحناء، والظن بالمؤمنين والمؤمنات بما يوجب غضب الله عز وجل وعدم مرضاته، فحققي هذه الاستجابة بسلامة القلب والقالب، فإذا أرادت المؤمنة أن تحقق التزامها بالآداب الفاضلة، فإن أول ما يظهر الأثر على لسانها الصادق، وقالبها المحقق لطاعة ربها جل وعلا.
الخصلة الثانية: أختي المسلمة: إن في المؤمنة آداباً يحبها الله، وأخلاقاً توجب الرضا من الله، هذه الآداب وهذه الأخلاق الكريمة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبب أصحابه فيها من أعظمها بعد الاستجابة ومن أهم ما يدعو إليها: أن تكون المؤمنة عفيفة في ظاهرها وباطنها، العفاف الذي يكون به الخير للمؤمنة في دينها ودنياها وآخرتها، فما كانت امرأة عفيفة إلا أقر الله عينها بالعفاف، كوني عفيفة في القول والعمل والقلب والقالب.
ومن عفة اللسان: صونه عن أذية المسلمين، والتقرب به بذكر إله الأولين والآخرين، ولذلك قال العلماء: إن للسان خصلتين حبيبتين إلى الله، الخصلة الأولى: عفته عن أذية العباد، والخصلة الثانية: حرصه على ذكر رب العباد.
أما الخصلة الأولى: أن تسلمي من أن تؤذي مؤمنة بهذا اللسان، فهو عضو صغير لكنه عظيم خطير، فكم أورد صاحبه المهالك، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له معاذ: أو مؤاخذون بما نقول؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم أو على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم).
كم أمست المؤمنة وقد اشترت رحمة ومرضاة الله بلسانها، ذلك اللسان العفيف عن أعراض المسلمين، والبريء عن أذية المؤمنين، ذلك اللسان المسخر في ذكر إله الأولين والآخرين، استخدمي هذا اللسان في محبة الله، واستكثري به من ذكر الله تفوزين برحمة الله.
وإن من الآفات التي قد تتخلق بها بعض المؤمنات والمسلمات: كثرة وفضول الحديث فيما لا يرضي الله عز وجل، ولو كان من المباح، فإن العلماء رحمهم الله قالوا: إن استرسال اللسان في الأمور المباحة، قد يفضي به إلى الوقوع في الحرام.
فصوني اللسان واحفظيه عن أذية بني الإنسان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وصف المسلم الصادق في إسلامه بقوله: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) فليسلم المسلمون من لسانك، إياكِ والغيبة والنميمة! وإياكِ وكلمة تؤذي بها مؤمنة بالله عز وجل! صوني اللسان واحفظيه، فإنه خير لك في الدين والدنيا والآخرة.
وكان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه يمسك بلسان نفسه، ويقول: [هذا الذي أوردني الموارد].
الحلم زين والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكن مهذارا فإذا ندمت على سكوتك مرة فلتندمنّ على الكلام مرارا فمن جمال المؤمنة طول صمتها عما لا خير فيه من كلامها، فمن دليل كمال عقل المرأة، وحسن استقامتها وإيمانها أن تكثر الصمت مع حسن السمت، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن عظيم الآفات التي تكون من اللسان والزلات، فأخبر أنه قد ينتهي بالمؤمنة إلى النار، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه قام يوم العيد فذكر النساء بالله، ولما أخبر ما أعد الله عز وجل من عقوبته بالنار، سألته امرأة فقالت: ولم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير) فإياكِ وكثرة السباب، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة).
فمن أخلاق المؤمنة طول صمتها، ولا يعني هذا كثرة السكوت، وإنما المراد أن تصان الألسن عما لا يرضي الله عز وجل، فإذا حفظت اللسان كان ذلك اللسان نعمة لك لا عليك.