للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بر الوالدين في حياتهما]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب:٧٠] {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧١].

أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخواني في الله: إن للوالدين حقاً عظيماً وفضلاً -بعد فضل الله- جليلاً كريماً، وصى الله به عز وجل الملأ وتنزل به الروح الأمين من فوق أطباق السماوات السبع العلى.

اثنان إذا ذكرتهما ذكرت البر والمعروف والإحسان، اثنان إذا ذكرتهما تحركت في القلوب الأشجان والأحزان اثنان إذا ذكرتهما أسعفتك بالدموع العينان، مضت أيامهما وانقضى شبابهما وبدا مشيبهما، وقفا على عتبة الدنيا وهما ينتظران منك قلباً رقيقاً، ينتظران منك براً رفيقاً، وقفا ينتظران والجنة وراءهما والجنة تحت أقدامها، فطوبى لمن أحسن إليهما ولم يسء إليهما، طوبى لمن برهما ولم يعقهما، طوبى لمن أضحكهما ولم يبكهما، طوبى لمن سرهما ولم يحزنهما، طوبى لمن أسعدهما ولم يشقهما، طوبى لمن أكرمهما ولم يهنهما، طوبى لمن أعزهما ولم يذلهما، طوبى لمن نظر إليهما نظرة الحنان، وتذكر ما كان منهما من البر والعطف والإحسان، طوبى لمن شمر عن ساعد الجد في رضاهما فما خرجا من الدنيا إلا وقد كتب الله له رضاهما، طوبى لمن سهر ليله وأتعب نهاره وأضنى جسده في حبهما وابتغاء رضاهما.

أيها الأحبة في الله: في هذا الزمان الذي عظمت غربته، وفي هذا الزمان الذي اشتدت كربته، فلم يرحم الأبناء دموع الآباء، ولم ترحم البنات رقة الأمهات، في هذا الزمان الذي تولى فيه البرور، وانقطعت فيه المودة إلى أعقاب الهوى والشرور، في هذا الزمان الذي عظمت غربته واشتدت كربته يحتاج المؤمن إلى من يذكره بحقيهما، يحتاج المؤمن إلى من يدله على عظيم فضلهما، لذلك تنزلت من الله عز وجل الآيات، تحث المؤمن على البر بالآباء والأمهات، وصى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ووصى أمته من بعدهم أن يبروا ولا يعقوا، وأن يحسنوا ولا يسيئوا، وأن يكرموا ولا يهينوا.

ثلاث كلمات مشتملات على وقفات: الوقفة الأولى: مع البر في الحياة.

والوقفة الثانية: مع البر بعد الوفاة.

والوقفة الثالثة: مع الثمرات وما يجنيه أهل البر من الخيرات.

فاللهم إنا نسألك قولاً سديداً وعملاً صالحاً رشيداً.

أيها الأحبة في الله: الوقفة الأولى: مع من متع الله عينيه وسر خاطره وناظريه برؤية أبويه، مع من أكرمه الله بحياتهما فكم من قلوب تمنت بقاء الوالدين والله تفضل عليك بوجودهما.

فيا من متع الله ناظريك! ويا من أسعد الله عينيك! وصية بالوالدين وصاك الله عز وجل في كتابه المبين وعلى لسان رسوله الأمين بالوالدين إحساناً، قال الله في كتابه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:٢٣]، وقال جل ذكره: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} [العنكبوت:٨]، وقال تقدست أسماؤه: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} [الأحقاف:١٥] وصية من الله جل وعلا إليك أن تحسن إلى الوالدين.