ضمت القبور أهلها، وانطوت على من حل فيها، فلما حان الموعد جمعت تلك الأشلاء والأعضاء، ونادى منادي الله عليها أن تخرج إلى اللقاء الموعود واليوم المشهود إلى يوم تتبدل فيه الأرض غير الأرض والسموات {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[إبراهيم:٤٨].
وخرج الناس من تلك الأجداث وتلك القبور إلى ربهم حفاة عراة غرلاً، فلا أنساب ولا أحساب، ولا جاه ولا عز ولا مال {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ}[المؤمنون:١٠١].
خرج العبد حسيراً كسيراً أسيراً خرج حقيراً ذليلاً، فلا أحد يكفيه، ولا شيء يواريه، خرج إلى الله حافياً عارياً خرج إلى ربه خرج إلى خالقه خرج إلى جبار السماوات والأرض ووقف أمامه حتى يسأله ويحاسبه {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ * فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[يس:٥٢ - ٥٤].
فلا إله إلا الله! من يوم بطلت فيه الملهيات، وزالت فيه المغريات، وعاين العبد فيه الحقائق أمام عينيه، جُمع فيه الناس على أرض واحدة:{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ}[الأنعام:٩٤].
كيف احتيالي إذا جاء الكتاب غداً وقد حشرت بأثقالي وأوزاري وقد نظرت إلى صحفي مسودة من شؤم ذنب قديم العهد أو طاري وقد تجلى لهتك الستر خالقنا يوم المعاد ويوم الذل والعار فلا إله إلا الله! من أرض لم تطأها قدم غير تلك الأقدام، ولا إله إلا الله! إذا شعت الشمس وتبدد الظلام، ولا إله إلا الله! إذا طال الوقوف بين يديه، ولا إله إلا الله! يوم يرهن العبد بما جناه بيديه.