[أمثلة توضح حقيقة المعاشرة بالمعروف]
هذه ثلاثة أمثلة، ولو أننا استعرضنا هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته التي تفسر هذا المعروف لأخذنا جلسات وحق لهذه السنة أن تأخذها: المثال الأول: تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنى إليه الإناء فيه الشراب فيقسم عليَّ أن أشرب قبله -هل أحد أقسم على زوجته يوماً من الأيام أن تشرب قبله؟ - قالت: فإذا شربت قبله أخذ الإناء فوضع فمه على المكان الذي وضعت فمي فيه -صلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين- ثم يؤتى بالعرق من اللحم -العظم من اللحم- فيقسم عليَّ -يحلف بالله أنها تأكل قبله؛ لأنها كريمةٌ بنت كرام لا ترضى أن تتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ترضى إلا إذا أقسم عليها، فيقسم عليها بالله أن تأكل قبله-قالت: فأنهسه فيأخذ العظم ويضع فمه حيث وضعت فمي) صلوات الله وسلامه عليه.
من منا يفعل ذلك ولو يوماً واحداً يجبر به قلب تلك المرأة المسلمة التي بين يديه؟ هل أحد منا طبق هذه السنة؟ ولذلك لما بعد الناس عن هذه الرحمة ولما فقدت الرحمة في الحياة الزوجية أصبحت الحياة حياةً جافةً، أصبحت بيوت المسلمين لا تجد فيها الرحمة والحنان الذي يجب وينبغي أن يكون من أهم سمات الزوجية، ولذلك وصف الله الزوجة بأنها سكن ورحمة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:٢١] المودة والرحمة طبقها النبي صلى الله عليه وسلم على أكمل صورة ومنهج.
الصورة الثانية والمثال الثاني: الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم براً رحيماً في معاشرته لأهله، تقول رضي الله عنها: (أتى الحبشة يلعبون بالحراب في المسجد يوم العيد، فأحببت رؤياهم فقمت لأنظرهم وراء ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم -رسول الأمة يقوم على قدميه وساقيه من أجل صبية تنظر إلى قوم يلعبون- قالت رضي الله عنها: فهو يقول لي: هل فرغت؟ فأقول: لا بعد، فيقول: هل فرغت؟ فأقول: لا بعد، ثم تقول رضي الله عنها: فاقدروا قدر الصبية الجهلاء).
يعني كم جلس من الوقت فما تذمر ولا قال: أنا أقف لك، ولا استحيا ولا تكبر صلوات الله وسلامه عليه، من منا يوماً من الأيام، لا نقول يقف لأجل أن تنظر امرأته إلى من يلعب! لكن نقول: يحرص -ولو يوماً في الشهر أو يوماً في السنة- على أن يدخل السرور إلى أهله، نعم فقدنا هذه السيرة العطرة، فقدنا الإحسان إلى الأهل ونريد حقوقنا كاملة، نمنع أزواجنا من العشرة الطيبة المباركة ونريد حقوقنا كاملة، ولذلك ليس غريباً لما فقدنا وشائج هذه الرحمة التي فعلها المصطفى صلوات الله وسلامه عليه أن نرى الحياة المؤلمة.
أما المثال الثالث: فقد جاء الأسود بن يزيد هذا التابعي الجليل إلى أم المؤمنين عائشة -والحديث في صحيح البخاري - قال لها: (كيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وما هو حاله؟ قالت رضي الله عنها: يكون في خدمة أهله) أي: إنه إذا رأى أهله بحاجةٍ إلى المساعدة وإلى المعاونة ساعدهم صلوات الله وسلامه عليه.
هل يوماً من الأيام كلفنا أزواجنا أمراً فوقفنا معهم وتأسينا بالنبي صلى الله عليه وسلم وعاشرنا بالمعروف على أكمل صورة ومنهج، أين أولئك البررة الأوفياء الذين يحسنون معاملة الأزواج، ويحسنون معاملة الزوجات، حتى تملك القلوب بإحسانهم ومودتهم وعطفهم وحنانهم؟! لا يمكن لهذه الحياة الزوجية أن تستقيم إلا بالرحمة، ولقد عرف ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فطبقه فكان من أهم سماته في عشرته أنه كان حليماً رحيماً بأهله وزوجه.
ومن هنا -أحبتي في الله- لو أن الأزواج عاشروا بالمعروف أو سرحوا بإحسان لما بقيت هذه المشاكل، انظر في أي مشكلة زوجية إما أن تجد زوجاً لا يعاشر بمعروف أو تجد زوجةً لا تعاشر بمعروف، أو تجد زوجاً يمسك ولا يطلق ويسرح بإحسان، أبداً لن تخرج عن هذه الثلاث القضايا التي هي محور كل مشكلة زوجية، إذا عرفنا أن أساس المشاكل يرجع إلى هذا السبب العظيم، فالمخرج والعلاج أن نقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في معاشرته لأهله وزوجه، وأن نستلهم منها هذه المواقف الطيبة المباركة، وهذه الأخلاق الزاكية العطرة، حتى نخلف في قلوب من نعول ونخلف في قلوب زوجاتنا تلك المحبة التي تقوم عليها بيوت المسلمين، وتلك العاطفة التي تبنى عليها بيوت الزوجية السعيدة.
وكما عرفنا أن الإعراض عن الكتاب والسنة هو السبب الرئيسي لوجود هذه المشاكل فكيف نفصل هذا الإعراض؟