ثم الأمر الثاني: الأخذ بالأسباب: أن يأخذ الإنسان بالأسباب التي تعينه على ترك مثل هذه المآخذ والمخالفات والأمور التي لا تليق به وهو منتسب إلى خير ما ينتسب إليه وهو الدين والاستقامة، ومن أعظم هذه الأسباب: الاهتداء بهدي السلف الصالح؛ فإذا وفق الله جل وعلا العبد رزقه السير على منهج السلف الصالح؛ فتشبه بالأخيار حتى صار منهم، واهتدى بهديهم حتى حُشر معهم، والدليل على ذلك أن الله جل وعلا أخبر أن قصص الأنبياء تثبت القلوب على طاعة الله:{وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}[هود:١٢٠] يثبته على ماذا؟ على الهدى، على المحبة والرضا، على الطاعة التي تُرضي الله جل وعلا.
فمن أعظم الأسباب بعد الدعاء: أن يحاول الإنسان قدر استطاعته أن يأخذ بالقدوة الصالحة من السلف الصالح الذين تمسكوا بهدي الكتاب والسنة، وقلّ أن يقرأ الإنسان سيرة من سير العلماء، أو يتدبر قدوة صالحة من الأخيار الصلحاء الفضلاء من سلف هذه الأمة إلا دمعت عيناه، وخشع قلبه، وأخذ في كمال نفسه وحملها على طاعة الله ربه، ولذلك قال الله تعالى لنبيه:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[الأنعام:٩٠] أولئك الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، الأخيار الذين هدى الله فبهداهم اقتده، فالذي يريد أن يكون على أكمل المناهج، وأقوم السبل بعيداً عن الزلات والهنات؛ يهتدي بالأخيار من سلف هذه الأمة الصالحين من العلماء العاملين، الأئمة المهديين، الذين عضوا على كتاب الله رب العالمين، وسنة خير الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقد أشار الصحابي الجليل أبو حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه إلى هذا العلاج الكريم حينما قال:[لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها].
فقراءة سيرة السلف الصالح تغسل عن القلوب كثيراً من الأدران، وتجعل الإنسان دائماً يتفقد نفسه، ويحاول أن يكمل نقصه، وأن يترك خلله، وأن يُصلح خطأه؛ وهذه نعمة يوفق الله إليها من شاء من عباده، وكان الوالد رحمة الله عليه يقول: يا بني لا أوصيك بشيء بعد كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم مثل قراءة تراجم العلماء والسلف الصالح.
لها أثر عظيم في القلوب، ولها أثر عظيم في النفوس، تحبب الخير إلى القلوب، وتنفر المعاصي إلى الطباع، وتجعل الإنسان دائماً يبحث عن خصلة من الخصال، أو طاعة من الطاعات حتى يدرك ما أدركوا من الخير، أو يكون قريباً مما نالوه من الفضل، ونسأل الله بعظمته وجلاله أن يبلغنا ما بلغوه، وأن يكرمنا كما أكرمهم، وإن كنا لسنا أهلاً لذلك؛ فهو أهل الفضل وأهل الرحمة والعطاء والنول، سبحانه لا إله إلا هو.