[حسن الخلق ونقاء القلب والسريرة]
أيها الأحبة في الله! إذا أراد الله أن يسعد العبد بين الناس أسعده بحسن الخلق، قال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم)، وأخبر صلى الله عليه وسلم (خير المؤمنين وأكملهم إيماناً أحسنهم أخلاقاً)، فإذا أراد الله أن يسعدك طيَّب شمائلك وأخلاقك، فأحبك الناس من قربك وفعلك، من رزقه الله حسن الخلق عاش سعيداً، ومات حميداً، ورضي الناس عنه وشهدوا له بكل خير، ولربما بقي حياً بعد موته في الذكر الجميل، فالأخلاق والآداب الطيبة ومعاشرة الناس وتوطئة الكنف من أعظم أسباب السعادة.
إذاً: مما ينبغي على الإنسان إذا أراد أن يكون سعيداً مع المسلمين أن يكون نقي القلب والسريرة، فلا سعادة إلا إذا أخرج العبد من قلبه الشحناء والبغضاء، والحسد واحتقار الناس، وآفات القلوب جميعها، وأسلم لله قلبه، واستحيا من الله أن ينظر إلى قلبه وفيه غلاً على مسلم، واستحيا من الله أن ينظر إلى قلبه وفيه الحسد أو البغضاء أو الشحناء، لقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً بالجنة فانطلق مع هذا الرجل عبد الله بن عمرو بن العاص، وبات معه ثلاث ليالٍ ليرمق عبادته، وينظر أقواله وأفعاله، فلم يجد كثير صيام ولا قيام! ثم قال له في اليوم الثالث: (إني كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة فكنت هو، فأخبرني عن أرجى عملٍ تعمله، فقال ذلك الصحابي المبشر بالجنة وهو يمشي على وجه الأرض قال: أما إنه ليس عندي كثير صيامٍ ولا قيام، ولكني لا أمسي وأصبح وفي قلبي غلٌ على مسلم).
إن القلوب إذا تغيرت، والنفوس إذا تبدلت، أظهر الله ما في السرائر على الظواهر.
ومن أسر سريرة الخير أظهر الله للناس خيره، ومن أسر سريرة السوء والشر أظهر الله للناس عورته.
فأول ما ينبغي على الإنسان لكي يكون سعيداً مع الناس: أن ينزع من قلبه الحسد والبغضاء، وإياك أن تحتقر مسلماً لقلة ماله أو مركزه أو وظيفته، فالمسلمون جميعاً يجب أن تحب لهم ما تحب لنفسك، وترضى لهم ما ترضى لنفسك، وينبغي أن تحسن بهم الظن كما ينبغي عليهم أن يحسنوا بك الظن أيضاً، فإذا سلم صدرك سلمت جوارحك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) ووالله لن يصلح القلب إلا بالسلامة لله عز وجل من أذية المؤمنين.
وإذا أردت سعادة مع الناس: فعليك أن تسلم الناس من لسانك، فلا يسمعون منك إلا الطيب؛ لأن المسلم طيب سلم لله لسانه وجنانه وجوارحه وأركانه.
ولقد وصف الله أهل الجنة بأنهم طابوا، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ويسلمون عليهم، ويقول الله عز وجل: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:٧٣] فلما طابت أقوالهم وأفعالهم كانوا من أهل الجنة، فمن أراد أن يكون من السعداء فليحفظ لسانه عن الناس، وإذا أراد أن يعيش بين الناس عيشةً هنية رضية فليحفظ لسانه عن عورات المسلمين وأذية إخوانه المؤمنين، وأن يعطي إخوانه المسلمين من الكلام ما يحب أن يأخذه منهم.
كذلك من أسباب السعادة مع الناس: الحرص على مجالستهم ومباسطتهم ومؤانستهم، فإن ذلك من أسباب السعادة، فإن من نعم هذه الدنيا التي ينعم الله بها على عباده الصالحين مجالس الذكر والخير، فإذا جلست مع الناس فتفقد أحوالهم، فإذا رأيت المهموم بدلت همومه بكلمةٍ طيبة، وإذا رأيت القلق الحيران أرشدته في حيرته ووجهته من غفلته وذكرته بالله، فإنها كلماتٌ طيبات يعظم أجرها في الدنيا وفي الآخرة بعد الممات.
من أراد أن يعيش سعيداً مع الناس حرص على أمرهم بالخير ودلالتهم عليه، فإذا فعل ذلك طيب الله ذكره ومجالسه، وقذف في قلوب الناس حبه وحب الجلوس معه، حتى ولو كانوا من جيرانك الأقربين إذا زرتهم وتفقدت أحوالهم، فإن رأيت تقصيراً كملته، وإن رأيت عيباً دللتهم ونبهتهم عليه، وأرشدتهم إليه، وأخذت بمجامع قلوبهم إلى الله، واحتسبت الأجر عند الله.