للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصايا في غض البصر عما حرم الله]

السؤال

لقد انتشر في هذا البلد ما يسمى: بالبث المباشر.

أرجو منكم نصح أهل هذه البلاد جزاكم الله خيرا.

ً

الجواب

ما أظن -إن شاء الله- أنه موجود، وأسأل الله عز وجل أن لا يوجد هذا الشيء.

وأوصي بأمور: الأمر الأول: تقوى الله الذي لا إله غيره:- وأن يعلم كل إنسان أن {السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:٣٦]، وأن البصر بريد الزنا، وطريقٌ إلى الحرام، وأنه لا يزال العبد يُمَتِّع بصره بالمناظر الخليعة حتى يَمْقته الله جل وعلا، ويطفئ نور الإيمان من وجهه، ولذلك قال العلماء: الغالب أن صاحب النظرات المسمومة والمحرمة لا يأمن الفتنة في دينه.

وأُثِر عن بعض السلف: أنه رأى رجلاً من حفاظ القرآن ينظر إلى شابٍّ أمرد نصراني فقال له: والله لتجدن غِبَّ هذه النظرة ولو بعد حين! أي: لا تَخْرُج من الدنيا حتى يعاقبك الله على هذه النظرة المسمومة، فمكث عشرين سنة، وبعد عشرين سنة نام ليلته، فأصبح لا يحفظ من القرآن حرفاً واحداً، نسأل الله السلامة والعافية.

كل الشرور مَبداها من النظرِ ومُعْظَمُ النار من مُسْتَحْقَر الشررِ كم نظرة فتكت بقلب صاحبها فتك السهام بلا قوسٍ ولا وتَرِ والمرء ما دام ذا عينٍ يقَلِّبُها في أعين الغِيْد محفوفاً على خطرِ يَسُرُّ مُقْلَتَه ما ضَرَّ مُهْجَتَه لا خير في سرور قد جاء بالضررِ ويلٌ لهم من الله إذا نشرت بين يدي الله النظرات! ويلٌ لهم من الله جل جلاله يوم تُكْشَف بين يدي الله تلك النظرات! ويَحْمِل صاحب ذلك البث المسئوليات والتَّبِعات عن الأبناء والبنات! ويلٌ ثم ويلٌ ثم ويلٌ لمن أدخل البلاء على أهله وولده ففُتِنَت تلك القلوبُ البريئةُ عن صراط الله وطريقه! ويلٌ له من الله يوم يحمل بين يدي الله وزرهم! {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٦]، يفر مخافة هذه المظالم التي جناها عليهم! ولا حول ولا قوة إلا بالله! وأعظم بلاء يُدْخِله الإنسانُ على أهله: ما فيه فتنةٌ لهم.

الأمر الثاني: كل من أَدْخَل فتنةً فاقتدى به غيره فإنه يحمل وزر كلِّ من جاء بعده إلى يوم القيامة:- فلو أن شخصاً كان الأول في إدخال الفتنة، فاقتدى به أحدٌ، فوالله ما مِن أحد يُدْخِل إلى هذا البلد أو إلى هذا المكان من هذا شيء إلا حَمَل إثمه ووزره بين يدي الله إلى يوم القيامة والعياذ بالله: (من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا يَنْقُص من أوزارهم شيء).

{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت:١٣].

ثم يا أخي: اتقِ الله في البصر! الله نوَّر لك نور البصر! كم من أعمى كفيفٍ لا يرى، واللهُ قد أعطاك هذا النور الذي والله لو قُبِض هذا النور لا يستطيع أطباء الدنيا أن يعيدوه لحظة من اللحظات! هل سمعت أن إنساناً كفَّ بصرُه فاستطاع الأطباء أن يردوه إلا إذا كان مرضاً عارضاً؟! إذا سلب الله البصر، وإذا ختم الله على السمع والقلب والفؤاد فلا يستطيع أحد أن يغني لصاحبه من الله شيئاً: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:٢٣] نسأل الله السلامة والعافية.

هذا البصر أعطاه الله لك، وكلُّ لحظة مكتوبة، وكل ثانية محسوبة، لم يعطِه الله لك عبثاً، بل أعطاه لك لكي تتقرب إليه، وتشتري رحمته! فتنظر في ملكوته فتقول: لا إله إلا الله! وتنظر إلى السماء فتقول: سبحان مَن {بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} [النازعات:٢٧ - ٢٩]! وتنظر إلى الأرض فتقول: سبحان مَن {دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} [النازعات:٣٠ - ٣١]! وتنظر إلى ملكوته وجبروته وعزِّه! وتمر على الديار الخالية فتقول: لا إله إلا الله! سبحان مَن جعلها خراباً بعد أن كانت عزاً وجاهاً.

وتمر على ديارٍ كانت خرِبة، فأصبحت عُمراناً وخيراتٍِ وحساناً فتقول: لا إله إلا الله! مخرج الحي من الميت! سبحانه لا إله إلا هو! كل هذا حتى تشتري رحمات الله بهذه النظرات.

هذا هو الذي تشترى به الرحمات، فالصالحون يفوزون برحمات الله بالأبصار، والفاسد يتهاوى ببصره في الجحيم ودركات العذاب المقيم، اللهم سلِّمنا وسَلِّم مِنَّا.

ثم الأمر الثالث والوصية الأخيرة: قلَّ إنسان ينظر إلى هذه المحرمات فيرجع إلى دينه سالماً والعياذ بالله:- فالغالب فيمن يشاهد الأفلام الخليعة والمناظر الفاتنة ألا يرجع إلى دينه سليماً إلا أن يرحمه الله، ويحتاج إلى توبة وبكاء وتضرع صادق، وهذا بالتجربة.

فسل الله العافية، فإذا عافاك الله إياك أن تقترب منها! فإنها السم القاتل للدين لا للدنيا، إياك أن تقترب ولو للحظة، فإذا قال لك الشيطان: انظر لحظةً.

فقل: الله الله أخشى أن تمتد بي هذه العين إلى أن أسَقط! وإن قال لك: انظر لِلَحظة.

فقل: أخشى العماية في الحشر: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:١٢٤ - ١٢٦].

فالله الله في هذا البصر! واتق الله، فإن الإنسان إذا نظر إلى هذه المفاتن الغالب أنه لا يَسْلَم، وإذا حفظتَ البصر حفظ الله دينك، فإنك إذا غضضتَ فإن العين لا تبكي يوم القيامة، يقول صلى الله عليه وسلم: (كل العيون باكيةٌ أو دامعةٌ يوم القيامة إلا ثلاث أعين: عين بكت من خشية الله ... ) إذا جلستَ بعد العشاء فتذكرتَ ذنوبك وأنت خالٍ وحيدٌ في غرفتك فقل: إنا لله وإنا إليه راجعون! ما أعظم ما فعلتُ! أحسنَ اللهُ إليَّ وأسأتُ! وأكرمني وأهنتُ! واستغفر وتُب، وفِضْ بالدمع، حتى يظلك الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، (.

إلا ثلاث أعين: عين بكت من خشية الله.

وعين سهرت في سبيل الله.

وعين غضت عن محارم الله).

حتى وأنت في الطريق إذا مرَّتْ عليك عورة من عورات المسلمين فقل: أستغفر الله العظيم! فإن هذا الغض يُكْتَب لك حسنات عند الله، فلا تزال هذه في صحيفة عملك حتى توافى بها يوم القيامة، فالناس يبكون في عرصات يوم القيامة، وعينك لا تبكي بهذا الغض.

نسأل الله أن يحفظ أبصارنا، وفروجنا، وجوارحنا.

والله تعالى أعلم.