للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإحسان إلى الوالدين واجب مع الصبر عليهما]

السؤال

أنا شاب أحب الخير لنفسي وللناس، ولكن والدي يسرف على نفسه بالمعاصي من استهزاء بالدين وإطلاق القبيح من السباب والألفاظ ولا يتورع عن ذلك، ومع ذلك فأنا أخاف عليه خوفاً شديداً حتى أنه أحياناً يأمرني بأشياء لا ترضي الله، فماذا أفعل تجاه هذا الأب، رغم أني إنسان مقصر في جنب الله أيضاً؟ وجزاك الله خيراً.

الجواب

أما ما ذكرته -أخي في الله- من تذكيرك بالله ودعوتك إلى الله؛ فلا خرس لسان منك داعياً إلى الله {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣] لا أحسن مما تقول ما دام أنه ذكر لله، ولا أطيب مما نطقت به ما دام أنه دعوةٌ إلى الله، فلا أحسن من هذا الكلام الذي تتكلمه، فأسأل الله العظيم أن يعظم به الأجر لنا ولك ولجميع المسلمين.

فالدعوة إلى الله عماد الدين، وهي الخير لعباد الله المؤمنين، فاستدم على ما أنت عليه ثبت الله قلبك ولسانك.

أما الوصية الثانية: فلا يضعفك تقصير الأب في جنبك وجنب الناس، وإياك أن يأتيك شيطان الإنس والجن ويقول: أنت تعظ الناس وأبوك في غفلة، فما ضر عكرمة كفر أبيه، ولا ضر الصحابة رضوان الله عنهم ما حصل من تقصير من عشيرتهم ومن قرابتهم، عليك نفسك والله حملك أمرها، فإن استجاب الناس لك فالحمد لله، وخير من الله، وإن لم يستجيبوا؛ فألق الأحمال وأعذر إلى الله الكبير المتعال، وسر إلى الآخرة وقد بلَّغت رسالة الله، وأديت شريعة الله إلى عباد الله، فلا تضعف بتقصير الوالد.

وأما ما كان من أذية من أبيك؛ فاصبر رحمك الله على أذيته، واصطبر على ما كان من بليته، فإن الله يعظم أجرك، ولا تقصرنَّ في بره، فإن أبلغ البر إذا آذاك أبوك، ولعلك من التزامك وطاعتك لربك وهدايتك سلط الله عليك أباك؛ لكي يرفع من درجاتك ويعظم من حسناتك، ويكفر ما كان من خطيئاتك وزلاتك، فاصبر رحمك الله، وكثير من الأخيار إذا التزموا أوذوا من الآباء وأوذوا من الأمهات ومن الإخوان والأخوات وهذه الأذية كلها ابتلاء من الله جل وعلا، فاصبر واصطبر ولا يمنعك أذية الوالد لك أن تبره، فإن سعداً رضي الله عنه وأرضاه لما عصت أمه ودعته إلى الكفر وامتنع من ذلك أنزل الله عز وجل عليه: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:١٥].

فبر أباك وأحسن إليه ولعل الله أن يجعل من برك له سبباً في هدايته وصلاحه، نسأل الله له ولجميع المسلمين التوبة والإنابة والله تعالى أعلم.