كان من هديه عليه الصلاة والسلام مقاربة ركوعه وسجوده لقيامه، كما في حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه، وما ألذ القيام إذا كان بهذه المثابة، أن يكون ركوع الإنسان قريب من قيامه وسجوده فهذا من أفضل ما يكون فإنه يجمع بين الفضائل كلها، فيجمع بين فضيلة تلاوة القرآن وفضيلة التسبيح وذكر الله جل جلاله وفضيلة الدعاء في السجود، فيصيب الفضائل على أتم الوجوه وأكملها، ولذلك استحب العلماء أن يكون في الصلاة اتزان من حيث طول الركوع وطول السجود وهذا كله إذا صلى الإنسان لوحده.
أما إذا صلى بالناس ووراءه الضعيف والسقيم والكبير وذا الحاجة وحطمة الناس فإنه يرفق بهم ويحاول إصابة السنة قدر استطاعته، ولكن لا يشق على الناس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل أشياء شرعها للأمة وكذلك نص على أشياء بقوله تشريعاً للأمة فقال:(إذا صلى أحدكم بالناس -وفي رواية- إذا أم أحدكم بالناس فليخفف) فنص على أنه ينبغي له أن يراعي أحوال الناس، فقال:(فإن وراءه السقيم والشيخ الكبير وذا الحاجة) وإذا صلى لوحده فليطول ما شاء.
فلما ثبت قيامه بالليل لوحده صلى الله عليه وسلم وطول قالوا: إذا كان الإنسان إماماً في صلاة التراويح يراعي أحوال الناس، فلا يخفف تخفيفاً يفوت به الفضل على الناس ولا يطول بهم إطالة يملون بها كتاب الله عز وجل أو الوقوف بين يديه، وهذا أمر يرجع إلى نظر الإمام وتوفيق الله عز وجل له، فالله تعالى إذا أراد للإمام الخير وضع له القبول بين الناس، فإن الإمام إذا راعى أحوال الناس ورفق بهم ووسع عليهم في الحدود الشرعية وجعلهم يحبون الصلاة وراءه ويرتاحون لذكر الله وراءه فإن هذه غنيمة عظيمة وخير كثير، ولا شك أن الناس يحبون الخير ويقبلون عليه ويزدادون رغبة فيه وهذا أفضل مما لو طول وفوت على الناس حب الخير وفوت عليهم الحرص على شهوده، فلا شك أن الأفضل والأكمل إذا كان هناك رفق أن يراعي من يحتاج إلى الرفق من المأمومين.