[سبل التخلص من الذنوب التي يصعب على النفس تركها]
السؤال
أكثر الأسئلة يشتكي أصحابها من عدم قدرتهم على الابتعاد عن معاصٍ معينة، فعلى سبيل المثال: هذا سائل يقول: أنا شاب كلما تبت إلى الله رجعت إلى المعاصي، فقل لي شيئاً ما إن تمسكت به لن أرجع إلى هذه المعاصي بإذن الله؟ وآخر يقول: كيف أخلص نفسي من تعلقي بمعصية وشهوات كثيراً ما بكيت منها ولا أستطيع تركها، أرشدوني أثابكم الله؟
الجواب
يقول الله عز وجل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:٤٠].
أخي في الله: هو طريق واحد، إما أن ينتهي إلى الجنة أو إلى النار، والله تعالى بين أنك لن تنجو ولن ينجو عبد من النار إلا بأمرين: أحدهما يتركب من الآخر، ما هما الأمران؟ {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [النازعات:٤٠] يتركب على الخوف من المقام والموقف بين يدي الله {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:٤٠] ما هي النتيجة؟ {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:٤١] هذا هو الطريق الوحيد الذي تنجو به من عذاب الله وسخط الله.
يا هذا! الأيام مراحل تطوى بك لكي تقربك إلى الله عز وجل، كل يوم تصبح فيه فتأتيك دواعي المعاصي، تذكر يا أخي ما هذا اليوم؟ هذا اليوم خطوة إلى الله عز وجل خطوة تقربك إلى الله سبحانه وتعالى خطوة تدنيك من الله عز وجل، إذا كانت الأيام والليالي لا تزيد العبد صلاحاً فوالله لا خير في العيش، لماذا نطلب الحياة، ونطمع فيها؟ والله والله لقد تنكد العيش، ولم يعد للعبد أمل في العيش إلا أن يزاد فقط له من الحسنات، والله ثم والله ثم والله! لو علم العبد أن الحياة لا تزيده من الله قرباً لسأل الله الموت؛ لأنه لا ينجو، الحياة ملئت بالفتن وبالمعاصي وبالمحن، كلما وقف الإنسان في سبيله إلى الله جاءته هذه الفتن والمحن من كل حدب وصوب، من القريب والبعيد، ممن يعرف وممن لا يعرف.
إذاً أخي في الله! هو طريق واحد: طريق الناجين، ووالله لا نجاة في غيره أبداً، طريق واحد، قال تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧] {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:٦٩].
فلذلك أخي في الله! هذه المعصية كل يوم تصبح فيه تفكر وانظر، أولاً: أدعوك أن تقطعها بالكلية، أصبحت اليوم فجاءك الشيطان يحدثك بهذه المعصية فاجتهد وجاهد أن تترك هذه المعصية لله عز وجل.
وأوصيك بأمور وبوصايا: الأمر الأول: إذا أصبحت فاعتبر كأنه آخر يوم لك من الدنيا، ووالله لا أضمن أن أقوم من مجلسي هذا، وليس أن أنتظر الصباح، لا أحد يضمن، الإنسان لا يضمن نفسه في طرفة عين.
بينما امرؤ بين يديك حيا إذ صرت لا تبصر منه شيئا في طرفة عين فقط، تأتي -سبحان لله! - إلى البيت الصباح تخرج منه ترى جارك، يمكن أحياناً ساعات وإذا بصراخ وعويل، ماذا هناك؟ فلان مات، حادث أو ما شابه، إنا لله وإنا إليه راجعون، ما يملك أحد لأحد من الله شيئاً.
إذاً: هذه الحياة مطايا تقربنا من الله عز وجل، إذا أصبحت أول شيء تحدث نفسك كأنه آخر يوم عهدك من الدنيا، فإذا استطعت أن تترك المعصية بالكلية فوالله قد فزت، استعن بالله ثم بالدعاء، أكثر من الدعاء، كذلك أيضاً ذكر الله عز وجل حتى تكون في الحصن الحصين، الفرار إلى الأخيار، إلى مجالس الذكر، تستجمع هذه الأسباب في يومك ذلك.
ابتعد ما استطعت أن تبتعد، ولا أظن إن شاء الله إذا فعلت هذه الأسباب إلا وسيوفقك الله عز وجل، ولا تستلم، المشكلة أن الإنسان إذا اعتقد أنه ضعيف خذله الله عز وجل، لكن إذا اعتقد أنه قوي بإذن الله، وأحسن الظن بالله يوفق.
الأمر الثاني: إذا كان لا سمح الله ما استطاع الإنسان أن يكبح جماح الشهوة، فما هو الحل؟ يحاول أن يقلل منها، حولها من معصيتين إلأى واحدة، وإذا كانت أربع إلى اثنتين، قدر ما يستطيع، فإن تقليل المعصية جزء من التوبة إلى الله عز وجل، ويعتبر جزء إنابة إلى الله سبحانه وتعالى، تخفف من المعصية.
الأمر الثالث: انظر إلى الأسباب التي تحرك المعصية، إن كان النظر اكسر النظر بخشية الله وارمه في الأرض، وإن كان الخلوة لا تجلس لوحدك، بعض المعاصي تتحرك بالخلوة، يختلي الإنسان فيقوى سلطان الشيطان عليه فيتحرك لفعلها، إن كان مثلاً النظر إلى أشياء أو سماع أشياء لا تستمع، المهم تتعاطى الأسباب التي تعينك على البعد من هذه المعصية، وجماع الخير: أن تتذكر أنك إلى الله عز وجل صائر، وأنك ستسأل عن هذه الروح التي أنفقت لياليها وساعاتها في معاصي الله عز وجل.
ثم سل النفس: ما الذي جنيته؟ كم من شهوات أصابها العاصي ما هي النتيجة؟ ما هي الثمرة؟ وكم من رحمات أصابها المطيع فماذا بقي من تعبه؟ بالأمس القريب كنا في رمضان، كان هناك صيام وقيام وعناء في طاعة الله، ما الذي بقي من التعب؟ ذهب النصب والتعب وثبت الأجر إن شاء الله، فلذلك الواجب على الإنسان أن يعزي نفسه ويسليها بذلك، وأسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم ممن {خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:٤٠] ولذلك يقول بعض العلماء: إن في هذه الآية دليل على أن العبد إذا تحركت نفسه إلى المعصية، وكان يستدمن الخوف من الله عز وجل فإنه غالباً ينجو منها؛ لأن الخوف من الله أثره ترك الهوى، والمعصية مما تهواه النفوس وتميل إليه.
فلذلك علاج ترك المعاصي والطريق الأمثل: الخوف من الله، ولذلك أكثر من ذكر الله عز وجل، واعرف من هو الله الذي تريد أن تعصيه، وبإذن الله عز وجل سيكون ذلك أعظم زاجر لك عن معصية الله، والله تعالى أعلم.