[الهدي النبوي في صلاة الوتر]
كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يصل وتره فيكون بالخمس ويكون بالسبع ويكون بالتسع متصلة ويكون بالإحدى عشرة متصلة، ولا حرج أن يوتر بالواحدة منفصلة، وأن يوتر بالثلاث متصلة وأن يوتر بالخمس متصلة وبالسبع وبالتسع كل ذلك جائز ومشروع، ولذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام الإذن بالفصل وكذلك فعله بالوصل، ومن إذنه بالفصل قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الفجر فليوتر بواحدة) قال بعض العلماء: أنه قال (فليوتر بواحدة) فاستوى أن يكون فصلاً أو يكون وصلاً.
والسنة في قيام الليل أن يكون وتراً بهذه الركعة التي ذكرنا وهذه الركعة هي الوتر وهي فضيلة وليست بفريضة على أصح قولي العلماء، وهو قول جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وأهل الحديث أن الوتر سنة وليست بفريضة، والأصل في سنيته قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين لما سئل عما فرض الله من الصلوات؟ قال: (فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات) فلو كانت الوتر واجباً لكانت الصلوات ستاً.
وكذلك ثبت عنه في الحديث الصحيح من حديث طلحة بن عبيد الله: (أنه لما سأله الرجل: ما الذي فرض الله من الصلوات؟ قال: خمس، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا.
إلا أن تطوع) فدل على أن الوتر فضيلة وليس بفريضة، وقال بعض العلماء بفرضيته كما هو مذهب الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر وجعلها لكم ما بين صلاة العشاء والفجر) والذي يظهر أن هذا الحديث المراد به في الفضيلة وليس الفريضة، ولذلك جاء بمثل سياقه في ركعتي الفجر فدل على أنها فضيلة وليس بفريضة، فيحمل على الندب والاستحباب لا على الحتم والإيجاب.
والسنة في الوتر أن يكون مرة واحدة، أي: يوتر في ليله كله مرة واحدة ولا يكرر الوتر لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا وتران في ليلة) كما رواه الترمذي في سننه.
قال العلماء: نهي عن الوترين في ليلة؛ لأنه إذا صلى الوتر مرتين أصبح العدد شفعياً، والمقصود في قيام الإنسان بالنافلة في الليل أن يكون العدد وترياً لا شفعياً، وأخذ بعض العلماء من هذا دليلاً على أن من أوتر في أول الليل وقام في آخر الليل أنه يصلي ركعة ينقض بها الوتر الأول، لأن قوله: (لا وتران في ليلة) يدل أن الوتر ينقض الوتر وإذا ثبت هذا فإنه ينقض الوتر الأول بالوتر الثاني، ثم يصلي شفعاً ما شاء ثم يوتر لكي يحصل الفضيلة في قوله: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) إذا صلى في أول الليل وأوتر ثم أراد الله أن يقوم في آخر الليل فأحب أن يصلي فهو بالخيار بين ثلاثة أشياء: الحالة الأولى: إما أن ينقض الوتر الأول بركعة ثم يصلي ما شاء ثم يوتر، وهذا هو المأثور عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ويدل عليه حديث الترمذي: (لا وتران في ليلة) حيث دل على أن الوتر ناقض للوتر.
الحالة الثانية: أن يصلي ركعتين ركعتين ولا يوتر؛ لأن الوتر الأول أجزأه، ويدل على هذه الحالة ما ثبت في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة وغيرها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد الوتر).
قال العلماء: صلاهما لبيان الجواز وأنه لا حرج على المسلم أن يصلي الشفع بعد الوتر، ولكن هذه الصورة الثانية يشكل عليها أنه يفوت على نفسه الأفضل والأكمل، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) وهذا يدل على أن المستحب والمرغب فيه أن يكون دعاء الوتر في آخر الليل، فإذا كان سيصلي ركعتين ركعتين يكون وتره لأول الليل لا لآخر الليل.
الحالة الثالثة: وهو ضعيف ومرجوح يعارض حديث الترمذي الذي ذكرناه فهو أن يصلي ركعتين ركعتين ثم يوتر ثانية، وهذا قول مرجوح والصحيح أنه يقتصر إما على نقض الوتر أو يصلي شفعاً بعد وتره على ظاهر حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.