للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نعمة الزواج وأثر التدين في سعادة الأسرة]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد: إخواني: الزواج نعمة من نعم الله ومنة من مننه عز وجل، جعله الله تبارك وتعالى آية شاهدةً بوحدانيته، دالةً على عظمته وألوهيته، فيه السكن والرحمة، وفيه العفة للإنسان عن الحرام، والبعد عن إصابة الفواحش والآثام، الزواج وما الزواج؟ الذي تغض به الأبصار عن محارم الله، وتحفظ به الفروج عمَّا لا يرضي الله، هذه النعمة يجد فيها عبد الله الراحة والسكن، ويجدها رحمة من الله تبارك وتعالى إذا ترسّم هدي الكتاب، وأقام نفسه على مناهج الصواب.

الزواج إنما يكون نعمةً حقيقيةً يحفظ الإنسان بها دينه ويعصم بها نفسه عن الفتن، ويجد الراحة والسرور والدعة، إذا كان الزوج قد ترسّم هدي الكتاب والسنة وكانت الزوجة -كذلك- قد ترسّمت هدي الكتاب والسنة، فعاشر كل واحد منهما الآخر عشرةً صالحةً طيبةً مباركة مبنيةً على الشيمة والوفاء، مبنية على الذمة وحفظ العهود والمواثيق.

إن ترسّم الزوجين لمنهج الكتاب والسنة هو الطريق الحقيقي للسعادة الزوجية الحقيقية، فما من بيت من بيوت المسلمين يترسّم فيه الزوج وتترسّم فيه الزوجة هدي الكتاب والسنة إلا وجدت السعادة قد ضربت أطنابها في رحاب ذلك البيت المسلم، والعكس بالعكس، فمتى تنكب الزوجان أو تنكب أحدهما عن هدي الكتاب والسنة فانحرف عن صراط الله المستقيم، واعوجَّ عن هدي الدين القويم، عندها تنتهك حدود الله وتغشى محارم الله.

إذا نسيت تلك الآيات العظيمة وتلك العظات البليغة التي وعظ الله عز وجل بها كلا الزوجين، إذا رميت وراء الظهور وأصبح الزوج لا يبالي بأوامر الشرع ونواهيه، يخبط خبط عشواء في عشرته لأهله وزوجه، وأصبحت الزوجة لا تبالي بحقوق الله عز وجل في العشير، وأصبحت لا تبالي بأوامر الكتاب والسنة، عندها تفتح أبواب المشاكل على ذلك البيت المسلم، وعندها تغشى حدود الله فلا يبالي الزوج بما يقوله ولا تبالي الزوجة بقولها، ولا يبالي الزوج بما يفعله ولا تبالي الزوجة بفعلها.

إذا كان ذلك فإنك تدمع الدمعة الحارة على ذلك البيت المسلم؛ لأنه ما من عبد ينحرف عن منهج الكتاب والسنة في عشرته لأهله إلا أذاقه الله نكد الحياة وتنغص عليه العيش، وإذا فتحت المشاكل أبوابها على ذلك البيت المسلم فإن الإنسان يصيب الشقاء بعينه ويجد مرارة الحياة فتدمع الزوجة حين لا تنفع الدموع وتندم حين لا ينفع الندم، ويدمع الزوج حين لا تنفع الدموع ويندم حين لا ينفع الندم.

نعم.

متى نسي كتاب الله، وغشيت حدود الله، وانتهكت محارم الله؛ ذاق الزوج سوط عذاب لا رحمة فيه، وأصبحت هذه الحياة التي كان من الفرض أن تكون حياة السعادة والراحة والدعة، إذا بها حياة جحيم لا يطاق.

وليت هذه المشاكل تقتصر على الزوج والزوجة، ليتها يعاني عناءها الزوج والزوجة؛ لأن بلاءها كان بسببهما، ولكن البلاء كل البلاء إذا تفشت هذه المشاكل فسرت إلى أب الزوجة وأمها، وإلى أب الزوج وأمه ثم إلى الأخ والأخت، ثم إلى الخلان والإخوان ثم الضحية البريئة تلك القلوب البريئة قلوب الأبناء والذرية، عندها تنظر إلى ذلك الابن الذي خلفته تلك الزوجة الظالمة أو ذلك الزوج الظالم، تنظر إليه وقد دمع دمعة حارةً من صميم قلبه وفؤاده لما يرى من تنكد العيش أمام أبيه وأمه، يبكي ولكن لا راحم لبكائه ويشتكي ولا أذن تصغي لشكواه.

إخواني: إذا فتحت أبواب المشاكل فإن القلوب تصطرع بفتحها، حتى إن العبد إذا بلي بالمشاكل الزوجية يحار حتى في صلاته ولا يستطيع عبادة ربه، كل ذلك مرارة يقاسيها وحرارة يعانيها كل من تنكب عن صراط الله واعوج عن هدي الله.

إنها المشاكل التي لا ترحم صغيراً ولا كبيراً، ولا تعرف جليلاً ولا حقيراً، إذا سرت في الأسر سرت كَسُرى النار في الهشيم لا رادع لها ولا موقف لها إلا رحمة من الله يتدارك بها عباده، إنها المشاكل التي أصبحت تعج بها بيوت المسلمين تلك البيوت الطيبة الطاهرة المباركة التي كانت معروفة بالسعادة والهناءة والراحة، أصبحت تعج بتلك المشاكل وتشتكي إلى الله صباح مساء من كلام لا يطيب لسامعه وكذلك أفعال لا ترضي من يراها.

كل ذلك -إخواني- هموم وغموم نعانيها، ونجد مرارتها في القلوب

و

السؤال

ما المخرج من هذه الفتن والمحن؟ لقد كانت بيوت المسلمين بيوتاً مليئةً بالراحة والدعة والسكون، حتى إنك قلَّ أن ترى قاضياً يفصل في قضية بين زوج وزوجه، كانت بيوت المسلمين إذا وقعت فيها المشاكل طفئت نارها في مهدها، وجدت عقولاً ورجالاً ووجدت نساءً بررةً صادقين يعرفون كيف يتصرفون ويحسنون التعامل مع هذه الفتن العظيمة والمشاكل الأليمة.

فلما تنكب العباد عن صراط الله وحاد الخلق عن طريق الله، جاءت هذه المشاكل بخيلها ورجلها، وأصبحت أُسر المسلمين تعاني هموماً وغموماً لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى، حينما فقدنا زوجاً يحفظ الذمم وحينما فقدنا زوجةً تحفظ حقوق العشير، وحينما فقدنا أماً تحفظ ابنتها وأباً يرعى ابنه، حينما فقدنا رجالاً صادقين صالحين يقربون المفترقين ويجمعون شمل المتباعدين، حينما فقدنا قلوباً رحيمة يؤلمها إذا رأت بيوت المسلمين تشتت سعت بتلك الخطوات العزيزة عند الله عز وجل، حينما فقدنا أولئك الصادقين وتنكدت الحياة وتغير الحال، فأصبح بعد رجال الصدق رجال الكذب، حتى أن الرجل إذا بلي بالمشكلة مع زوجته وجد صديقاً لا يذكره بربه ولا يصبره على شكواه، وجد من يلهب ضميره إلى الشكوى ويلهب قلبه إلى الأذية والإضرار، ووجدت الزوجة من يعينها على الإضرار ويعينها على الشقاق والأذية.

فلما تغيرت الحياة وتغير الناس بعد صلاح، وأصبحت الحياة على هذه الصفة، لم يكن من العجيب أن تعج مشاكلنا وأن تُملأ دور القضاء من هذه المشاكل المؤلمة المحزنة، حتى إنك إذا دخلت سمعت صراخاً وعويلاً، امرأة تناشد زوجها وتسب عشيرها، وزوجاً يناشد زوجه ويسب أهله وعرضه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون.

أهذه الأمة الطاهرة المباركة؟ أهذه الأمة التي تأدبت بكتاب الله، وكان لها أكمل منهج وجد على الأرض سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أتعيش هذه الآلام؟ أتعيش هذه الأحزان والأشجان؟