للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصائح للداعية إلى الله]

السؤال

بعض الشباب وفق لطلب العلم وربما أصبح داعية إلى الله، يعظ الناس في المجالس والمساجد، ونريد منكم أن تذكروا لنا الضوابط في المواضع التي يتكلم فيها الداعية لعامة الناس، وذلك لأنه وقع إشكال في استخدام ذلك؟

الجواب

بالنسبة للمسائل الشرعية الفقهية المطروحة من العوام يعني حاصل السؤال أنه ربما يشوش على العامة، مثلاً: عندما يأتي ويفتح درساً ويكون فوق مستوى الناس فيحدث عندهم نوع من التشويش أو يحدث عندهم ارتباك في المسائل، فهذا لا يحبذ، بل تترك المسائل الدقيقة لمجالس طلاب العلم، أي: يجعل له درساً خاصاً بطلاب العلم الذين يفهمون، ويجعل للعوام درساً بالقدر الذي يناسب عقولهم، ولا شك أن تعليم أبناء المسلمين فيه خير كثير ويستوجب للعبد الرحمات والدرجات، قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) فيجعل للعوام بعد الفجر أو بعد صلاة العصر درساً يقوم فيه ألسنتهم بالفاتحة ثم ما بعد الفاتحة من قصار السور، ويتكلم عن آية أو آيتين في الآداب والأحكام يوجههم ويسددهم، هذا شيء طيب، فالناس بحاجة إلى ذلك، والقلوب تحتاج دائماً إلى من يذكرها، ولو لم يكن في الجلوس في مثل هذه المجالس إلا أن الله يرحم أهلها لكفى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الملائكة تقول: يا رب! فيهم فلان -عبد خطَّاء كثير الذنوب- جاء لحاجة معهم، قال: وله قد غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) تأملوا في هذا الشخص الذي جلس مع الصالحين، ولم يكن جاء قاصداً المجلس، فكيف بمن قصد المجالس؟! ثم كيف بالعالم الداعية الذي تقوم عليه المجالس! فنسأل الله العظيم من فضله، لا شك أن هذا من بركة العلم، فالداعية أو الشاب الذي بمجرد أن يتفقه في الدين ثم ينشر علمه وينفع الناس ويبين لهم الحق فهذا يدل على أن فيه خيراً كثيراً.

إذاً: من الصعب أن نضع الضابط المعين لما سبق، مثلاً: عندك بعض المساجد يكون أهلها في لهو الدنيا، كأصحاب الأعمال والمهن والحرف، فهؤلاء يختلف وعظهم باختلاف الشيء الذي تذكرهم به، والوقت الذي تذكرهم فيه، فمثل هؤلاء الذين يشتغلون أو أن عليهم ضغوطاً في الأعمال فتنفر وتسوء أخلاقهم بسبب ضغط الأعمال، فتأتيهم أنت بشيء من الدين لكي يقوي إيمانهم فتحسن معاملاتهم، فتربطهم بالله عز وجل من جهة أن الإنسان يبتلى في عمله ويكون العمل عليه شاقاً لكن الله يثيبه، وتذكرهم بأنهم قائمون على أولادهم وزوجاتهم فهم مأجورون عليهم، فتربطهم بالدين وتربطهم بالطاعة مع أنهم في حرف وأعمال يكونون في غفلة عن هذه النية، فيصبح الرجل ملتزماً بدين الله حتى في أثناء عمله، فتحيي في نفسه ارتباط بك والارتباط بالشرع.

هذه الخطوة الأولى.

الخطوة الثانية: بعد أن تعطيه هذه الطعمة وقد ارتبط بك تأتي له بالمرغبات من التذكير بالجنة وما عند الله من الرحمة، ثم بعد ذلك تأتي له بالمرهبات، أما الضابط والمقدار فهذا أمر يرجع إليك.

وأقول: إن مدار الأمر على أعظمها وهو الإخلاص، فإنك إذا أخلصت لله عز وجل سيأتيك من التوفيق ما لم يخطر لك على بال، ولربما تخرج من الصلاة ثم تنتهي من الأذكار فتقف واعظاً دون أن يكون في نيتك الوقوف، لكن بمجرد أن تقف يفتح الله عليك بقول كلمة، فيهدي الله بها قوماً ظالمين، ويسعد بها أشقياء ومحرومون.

فهذا من الأهمية بمكان أن يكون الإنسان صالح النية والمعاملة مع الله عز وجل، فأما أن نضع نحن الضوابط لذلك، فهذا صعب جداً، ولذلك أرى أن الأفضل أن يترك هذا لأحوال الناس، فإذا كان الإنسان مخلصاً لله عز وجل فإن الله سيفتح عليه.

أذكر مسجدين كنت أصلي فيهما في أيام طلب العلم، فأما المسجد الأول: فكنت إذا أتيت إليه وأنا ليس بخاطري شيء وصليت مع أهله، فما إن أسلم إلا ونفسي تشتاق لوعظهم فيفتح الله عليَّ بكلام ما حضرته، ولكنه من الله سبحانه وتعالى، هؤلاء هم كبار في السن ومن البادية على فطرتهم، محبون للخير بشكل عجيب.

وأما المسجد الآخر فلو أتيته وأنا محضر إذا بنفسي تستغلق، فلا أستطيع وعظهم؛ لأنهم مشغولون بالبيع والشراء وأهل دنيا، فكأنهم لا يدخلون المسجد إلا وهم يقادون بالسلاسل، فيصلون ويخرجون مباشرة، فسبحان الله! البون بينهم وبين أولئك شاسع.

بعض الناس -مثلاً- قد يأتيك ويسألك مسألة في الفقه، وأنت تعلم منه الصدق والإخلاص وأنه يحبك ويجلك ويكرمك ويعظم العلم الذي تقوله، فتنشرح نفسك فتعطيه من العلم، وتحس أنك تأتيه بكل شاردة وواردة في المسألة، ويأتيك شخص -نسأل الله السلامة والعافية- غير ملتزم بالدين الالتزام المطلوب، أو يأتيك وهو معترض على السنة وعلى الوحي، سبحان الله العظيم! تريد أن تفتح فتجد الأمور كلها مغلقة في وجهك؛ لأنه ما هيأ نفسه بالإخلاص؛ لأن هناك ارتباط بين الواعظ والموعوظ، والمتكلم والسامع، والأمر مجرب، ولذلك نسأل الله أن يرحمنا برحمته.

فوضع ضوابط شيء صعب، لكن أقول: الإخلاص، ثانياً: تحيُّن الفرص المناسبة، وهذا يرجع إلى ذكاء الإنسان، ثالثاً: الرفق، يعني: لماذا نقول: لا يطول الإنسان في صلاته ولا في خطبته؟ ليست القضية قضية أن الجمعة هذه يصلون معك في حدود ربع ساعة، لا.

لكن القضية أنك إذا خطبت الخطبة الأولى -مثلاً- ربع ساعة والخطبة الثانية ربع ساعة والثالثة ربع ساعة وجئت يوماً وخطبت ساعة ونصف فلن تجد أحداً يقول لك: أطلت؛ لأن النفوس جبلت على أنك ترحمها وعلموا أنك رفيق بهم.

فعندما تنظر إلى قضية أن هذا يختلف باختلاف الدعاة أمر مهم جداً، فإذا أوجدت عند الناس شعوراً في حب الخير والإقبال عليه سهل عليك أن تجد الأوقات المناسبة لوعظهم.

والأخلاق الحميدة تفتح لك ما لم يخطر لك على بال، يعني: تصور الآن إماماً طليق الوجه للناس دائماً، فعندما يأتيه أفقر الناس يهش له ويبش كأغنى الناس، لا يوجد عنده تمييز بين الناس، فيراه الناس وهو طليق الوجه والجبين، وصفحة قلبه كوجهه، لا يغشهم بأن يكون في قلبه -والعياذ بالله- دخن، مثل هذا الشخص تكون دعوته مباركة، فأنت مثلاً -إن جئت للخطبة أو للموعظة- فمن حب الناس لك يأتيك المذنب لكي تنصحه، ويأتيك العاصي لكي تذكره، ما السبب؟ بفضل الله ثم بسبب أخلاقك، فصارت شخصية الداعية تعين على الدعوة وتعين على تهيئ الفرص المناسبة.

فمعظم من يقع في الجرائم يأتي إلى المسجد منهاراً نفسياً، فلولا الله سبحانه وتعالى ثم إنه رأى من شخصية الإمام وما يسمع عنه وعن أخلاقه خيراً كثيراً لما أتى إليه.

ولذلك حقيقة الضوابط ترجع إلى توفيق الله سبحانه وتعالى والإخلاص وكذلك شخصية الداعية، فهذا أمر مهم جداً، دائماً نحرص على قضية أنه يكون الإنسان رفيقاً ودوداً مع الناس حتى يستطيع أن يصل إلى قلوبهم، أما إذا كان الإمام جافاً مستعلياً وينظر الناس منه التناقض بين قوله وفعله، يرون إذا جاء الفقير لا يبالي به لكن إذا جاءه الغني أقبل عليه وسأل عنه وحيا به، فيرى الناس أنه ليس أهلاً لوعظهم ولا أهلاً لأن يرجعوا إليه.

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن سعوهم بأخلاقكم) فلذلك الأمر مهم جداً.