فضيلة الشيخ! ما هو دور الابن تجاه إعراض الأسرة أو أحد أفرادها عن دعوته إلى الله سبحانه وتعالى؟
الجواب
إن الموعظة قد تكون من الابن لوالديه، وتكون منه لإخوانه وأخواته، والواجب عليه أن يترسّم النهج الذي ذكرناه، يبتدئ أولاً: بالإخلاص لله عز وجل.
ثانياً: يتعلم العلم النافع، ويسأل العلماء ما الذي يأمرهم به، وما الذي يبدأ به، ويبين لهم بعض الأخطاء الموجودة، ولا يقول: أبي يفعل وأمي تفعل، حتى لا يغتاب أباه أو أمه، بل يقول: هناك شاب له أب يفعل كذا وكذا، وهناك والد يفعل كذا وكذا، فيكون ذكياً حتى في سؤاله، حافظاً لحرمة والديه، لا يكشف ستر الله على أهله وأسرته.
ثالثاً: بعد تعلمه عن طريق العلماء وجلوسه في حلق الذكر وبعد علمه ما الذي ينبغي أن يبتدئ به؟ ينبغي أن يعلم أن الحق أكبر من كل أحد، وأن الله سبحانه وتعالى أمره إذا علم أن يُعلم غيره، فلا تأخذه هيبة الوالد والوالدة، فالحق أكبر وأعظم، وينبغي عليه أن يكون جريئاً على طاعة الله، ولكن مع الأدب، فإن إبراهيم يقول لأبيه: يا أبت ناداه بالأبوة، ما قال: يا فلان، وإنما ناداه بالأبوة اعترافاً بالفضل وبالجميل، والله يقول:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا}[لقمان:١٥](إن جاهداك) أي: كانوا في جهاد من أجل إغوائك، ومع ذلك يقول:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان:١٥] فينبغي على الابن أن يبدأ بنصيحته ولا يتهيب.
رابعاً: ينظر أقرب الأسرة إلى الخير، فبعض الأحيان تكون الأسرة عاصية ولكن قد يكون الأب والأم أقربها قلباً، وقد تكون الأخت أو الأخ، فيبدأ بأقربهم إلى الخير، ولا ينصحه أمام الغير، وإنما ينصحه على خلوة وانفراد ويعظه ويذكره بالله عز وجل، سواءً كان تذكيراً مباشراً، أو تذكيراً بواسطة شريط مؤثر أو موعظة بليغة ونحو ذلك مما يعين الله عز وجل ويبارك فيه.
وعليه -أيضاً- أن يحرص كل الحرص على عدم تنفير أهله وإخوانه؛ لأن الأقربين لهم حق عظيم، وأفضل ما تكون الموعظة موعظة الأقربين، وأعظم أجر وثواب للداعية إلى الله هو الداعي لأهله، ولذلك قال تعالى:{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}[الشعراء:٢١٤] فالنصيحة والموعظة والدعوة إلى الله في الأقربين أعظم أجراً عند الله سبحانه وتعالى من غيرهم، وواجب عليه أن يحتسب عند الله عز وجل الأجر، وجماع الخير كله في تقوى الله عز وجل.
خامساً: مسألة القدوة، الابن الذي يأتي ويجلس بين يدي أبيه فيشعره بأنه أب وهو أولى بالتقدير، ويكون أحسن الأبناء في البيت براً وإحساناً، ربما يغير البيت بفعله قبل أن يغيره بقوله، كم من أب رأى ابنه تغير في تصرفاته واحترامه وإجلاله وتقديره، فقال له في يوم من الأيام: يا بني! ما الذي غيرك بهذا الشكل؟ فيجيب: يا أبت! جلست في مجلس الشيخ فلان فأثّر فيَّ، فقال له: اذهب بي إلى فلان، فهدى الابن أباه بدون أن يتكلم وأخذ بحجزه عن النار دون أن يعظ، وهذا كله من توفيق الله عز وجل للابن الصالح الموفّق الذي يؤدي حق والديه كاملاً، وحقوق إخوانه وأخواته أيضاً، ويظهر لهم التزامه وطاعته وهدايته، فيبدأ بالبشاشة والمودة والمحبة والهدية وتأليف قلوبهم للخير، فهذا هو الذي ينفع الله بدعوته، وتأتي الموعظة في آخر شيء فتكسر الأقفال وتلك القيود المغلقة والآذان الصماء حتى يفتح الله عز وجل ويتأذن برحمته وهو أرحم الراحمين، والله تعالى أعلم.