للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عتق الله رقاب الحجاج يوم عرفة]

السؤال

هل يوم عرفة للحاج فقط من ناحية المغفرة والعتق من النار، أم هو لعموم الناس على وجه المعمورة وخاصة المسلمين إذا تقيدوا بتعاليم الدين الإسلامي؟

الجواب

باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه من النار من يوم عرفة) وهذا اللفظ من المعهود في سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتبر لفظاً مطلقاً، وتارة تأتي السنة باللفظ المطلق وتريد التقييد، ويكون التقييد بالمعروف والمعهود، فكأنه حينما قال: من يوم عرفة مراده بذلك الحجاج الذين هم وقوف بيوم عرفة أي: أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعتق رقابهم من النار، فهذا يدل على أن الفضل مختص بمن وقف بعرفة ولا يمتنع؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعتق رقبة الإنسان من النار بشيء غير هذا، فالله على كل شيء قدير.

الله سبحانه وتعالى قد يعتق رقبة الإنسان بصدقة واحدة، وقد يعتق رقبة الإنسان بدمعة واحدة يدمعها من خشية الله عَزَّ وَجَلَ، وقد يعتق رقبة الإنسان بكلمة طيبة بر فيها أمه أو بر فيها أباه، فالله على كل شيء قدير.

ولذلك قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) نصف تمرة قد تكون وقاية لك من النار.

وفي الصحيح أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله عنها تحمل صبيتين، فأعطتها عائشة ثلاث تمرات، فأعطت كل صبية تمرة ثم أخذت التمرة الثالثة تريد أن تأكلها فاستطعمتها إحدى البنتين هذه التمرة، قالت عائشة رضي الله عنها: فأخذت هذه المسكينة الأرملة التمرة وأعطتها لبنتها وآثرتها على نفسها، قالت: فعجبت من صنيعها، فلما دخل عليها رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرته خبرها، فقال لها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أتعجبين مما صنعت! إن الله حرمها على النار بتمرتها تلك) تمرة واحدة، هذا فضل عظيم لو جاء الإنسان يتفكر ويتدبر في عظمة هذا الرب الكريم الجواد، يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الجنة أدنى للعبد من شراك نعله والنار مثل ذلك).

أي: إذا اتقى الله وأحبه وأخلص لله ووحده وأطاعه، فإن الله سبحانه وتعالى يحجبه عن النار، فالعتق من النار -قيل: إن هذا اللفظ مطلق وقيد على أتم وجوهه وأكرمه، ولا شك أنه للحجاج على أتم الوجوه وأكملها، لكن لا يبعد أن الله سبحانه وتعالى يعتق في يوم عرفة غير الحجاج؛ لأن فضل الله سبحانه وتعالى لا ينحصر بيوم عرفة ولا يقتصر على يوم عرفة بل يده سخاء الليل والنهار لا تغيظها نفقة، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يفرح بتوبة التائبين، جَلَّ جَلالُهُ، وتقدست أسماؤه، والله تعالى أعلم.