فضيلة الشيخ! إذا كان بيت الداعية على غير استقامة وأصبح يعير لذلك في حيه إذا أراد أن يدعو إلى الله، فما هي الوصية في هذا الأمر؟
الجواب
الداعية إلى الله يدعو إلى الناس بقوله وعمله، ولو كانت بيئته وأهله وقبيلته وأمته التي خرج منها ضالة بعيدة، فلا يضره ذلك شيئاً، ما ضر عكرمة كفر أبيه.
فالداعية إلى الله يبحث عن رضوان الله، ولا يلتفت إلى ما يقوله الناس، فلست بمسئولٍ عن قرابتك إذا بلغتهم رسالة الله على وجهها، فالرسول عليه الصلاة والسلام قد وقف أول موقف في الجهر بالدعوة، فكان أول من سفهه ورد عليه على الأشهاد عمه أبو لهب، (فقال له: تباً لك، ألهذا جمعتنا) فأنزل الله من فوق سبع سماوات غيرةً على نبيه، قال سبحانه وتعالى:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}[المسد:١] فجعله في تبابٍ إلى يوم القيامة، وجعله يوم القيامة في أعظم التباب وأشد النكال، نسأل الله السلامة والعافية.
فالذي يريد أن ينظر إلى أهله وجماعته وإخوانه أو أحدٍ يقول له: كنت وكنت، وفعلت وفعلت، فإنه لن يستطيع أن يدعو، فلا عليك من كلام الناس إذا وجدت الحلاوة وأردت أن تعامل الله وأن تشكر نعمته عليك، فعاجل ما تنتظره من عظيم الأجر عند الله؛ أن تؤذى في ذات الله جل جلاله.
يقول بعض العلماء: من دلائل القبول للداعية أن يؤذى في بداية دعوته.
ولذلك بمجرد ما يأتي الداعية يريد أن يتكلم يقول له قائل: اسكت فمن أنت؟ أنت الذي كنت تفعل وتفعل، اسكت فمن أنت حتى تتكلم، فأبوك ليس بعالم، ولا جدك، فما عليك من سخرية الساخرين وتهكم المستهزئين، وعليك برضوان الله رب العالمين.
فهذا لوط عليه السلام أوذي بزوجه، وهذا إبراهيم عليه السلام أوذي بأبيه، وأوذي نوحٌ عليه السلام بابنه، ويقول العلماء: ما ذكر الله هذه القصص إلا لكي تكون سلواناً لكل داعيةٍ إلى الله ولكل هادٍ يهدي إلى صراط الله، فعليك أن تبحث عن مرضاة الله جل جلاله ولا تلتفت إلى غيره، وأسأل الله العظيم أن يصرف عنا قول الناس وضرهم، وأن يجعلنا ممن أراد وجهه وابتغى ما عنده.
قال الله تعالى:{لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}[الأحزاب:٦٩].
فمن أراد الوجاهة عند الله فليصبر على طعن الناس فيه وفي زوجته وأهله وولده، قد يأتي الداعية يريد أن يدعو فينتشر بين الناس أن زوجته ليست بملتزمة، وأن أولاده ليسوا بملتزمين، فما دام أنه نصحهم ووعظهم وذكرهم بالله فهو على خير، ولا يضره كلامهم شيئاً وإذا صدق مع الله وبلغ رسالته إليهم، فقد أعذر إلى الله، وذلك لا يمنعه من تبليغ رسالة الله إلى عباده، والله تعالى أعلم.