الوصية الثانية بعد الشعور بالأمانة والمسئولية بين يدي الله عن الزوجة وعن هذا البيت: أن يكون الإنسان براً رحيماً، وقد وصانا النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الوصية التي أخبر أنها الخير، وأنها الرحمة والبر، فقال صلى الله عليه وسلم:(إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه).
فإذا وقفت -رحمك الله- أي موقف مع زوجتك، وأي موقف مع أولادك وأهلك، فأنت بين طريقين: إما طريق رحمة ورفق، وإما طريق عنت وشدة وأذية وإضرار، فإذا وقفت أمام أي موقف فاعلم أنك مخير بين السبيلين، وأن أمامك هذين الداعيين، فاختر أحبهما إلى الله الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه زين ورحمة:(إن الرفق ما كان في شيء إلا زانة، ولا نزع من شيء إلا شانه).
فتقاد بيوت المسلمين وتقاد نساء المؤمنين بالرفق، ولا يقدن بالعنف والأذية والقسر والإكراه، إلا ما أمر الله عز وجل به، ولذلك بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال:(إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما فيه أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته -إن ذهبت تقومه بالقوة والعنف كسرته ففسدت عليك المرأة، وإن ذهبت باللين والرفق فقد أبقيتها على عوج- فاستمتعوا بهن على عوج) إن أبقيتها استمتعت بها على عوج.
ولذلك بعض الناس أو بعض الرجال يشمت بالمرأة، ويقول: أنتِ خلقت من ضلع أعوج، لا والله لم يكن ذلك قصد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن قصده من هذه الأحاديث أن نشمت بنساء المؤمنين، لا والله! وحاشاه! فالإسلام أرفع من هذا كله، ولكن المقصود أن يقول لك: إن الذي أمامك يصعب أن تقصره على أمر، فخذه باللين، وخذه بالرحمة وخذه بالمحبة والوفاء، وهذا مجرب.
فإن الرجل إذا وفقه الله إلى الكلمة الحليمة الحنونة والمعاملة اللطيفة، ملك قلب المرأة، واستطاع أن يستمتع بها مع هذا العوج، فهذه وصية نبوية، أن نأخذ بالرفق في البيوت الزوجية، وأن يكون المسلم في معاشرته مع أهله، يقيم بيته على الرفق، وعلى الحنان والعطف ما أمكن.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم هذا في مواقف عديدة منها: حين أخبر صلوات الله وسلامه عليه عن فضل الرجل على المرأة، وأخبر أن المرأة ناقصة عقل ودين، لكن ليس معنى هذا أن الإنسان يتخذ من هذا الحديث شماتةً للمرأة، بل كأنه يقول لك: إن الله خلقها على النقص -ولله الحكمة البالغة- فإن هذا النقص فيه لين ورحمة، جبر الله به خشونة الرجل.
فتصور لو أن المرأة كانت كاملة العقل مع كامل العقل، كيف تكون الحياة؟ يقول لها: اذهبي، فتقول: لا أذهب، فيأتيها بعذر فتأتيه بثلاثة أعذار؛ لأن عقلها كعقله، ولكن الله حليم أنقصها في العقل، وجعلها نصف الرجل، وأعطى الرجل القوة، وأعطاها الحنان، وأعطاها اللين والرحمة لكي يكمل هذا نقص هذا، ويجبر هذا كسر هذا، فإذا جاء الابن في موقف يحتاج إلى اللين مال إلى أمه، وإذا جاء إلى موقف يحتاج إلى الشدة مال إلى أبيه، فسبحان الحكيم الخبير! سبحان من هذا خلقه، وهذا تدبيره وأمره! فليعلم أن بيوت الزوجية، وأن نساء المؤمنين يقدن بالرحمة والعفاف والكرامة، أبلغ من أن يقدن بالشدة والعنف.