ما هي الثمرات التي يجنيها العبد عندما يحب أخاه في الله سبحانه وتعالى؟
الجواب
أما الثمرات فاعلم حفظك الله أنك إذا وجدت قلبك يتجه إلى الصالحين ويرتاح للصالحين فأول ثمرة: أن هذا دليل على الإيمان؛ لأنه لا يحب المؤمن إلا مؤمنٌ، ولا يحب الصالحين إلا صالح، ولا يطمع في مجالس الصالحين إلا موفق، فاحمد نعمة الله عز وجل على ذلك، هذا أول دليل على الإيمان، ولذلك كان من كمال الإيمان، الحب في الله والبغض في الله وذاق حلاوة الإيمان من أحب في الله ووالى في الله وعادى في الله.
أما الأمر الثاني: إذا أحببت في الله فمن ثمرات المحبة أن تجني من أخيك صلاحه، فإن كان أفضل منك اقتديت به، وإن كان مثلك نافسته، وإن كان دونك دعوته، هذه من ثمرات الحب في الله تكون قريباً من إخوانك، ولذلك تجد الشباب الصالحين يحرصون على هذه الثلاث الأحوال: إن وجدوا من هو فوقهم تمثلوا به، وإن وجدوا من هو مثلهم نافسوه، وإن وجدوا من هو دونهم دعوه إلى الزيادة فتجدهم أقرب ما يكونون إلى طاعة الله عز وجل، وما فقدنا لذة الأخوة في الله إلا حينما أصبحت مجالسنا معطلة من ذكر الله، وأصبحنا نحب في الله ولا يتشبه بعضنا ببعض في الصلاح وفي العفة وفي الخير وفي الاستقامة، إذا قلت لأحد: إني أحبك في الله وكان أفضل منك حاول أن تكون مثله، وأن تتأسى به، سواءً في كلامه أو في أفعاله، أو غير ذلك من الخصال التي وفقه الله إليها من الصلاح.
الأمر الثاني: ما تجنيه في آخرتك: فإن الله تبارك وتعالى أخبرنا على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن هذه المحبة من أعمال القلوب، وأنها بينك وبين الله عز وجل فإذا قدمت عليه يوم القيامة، أظلك بها يوم لا ظل إلا ظله ولذلك فاعلم أن أمور الدنيا الخفية التي لا يعلمها إلا الله عز وجل يأبى الله يوم القيامة إلا أن يظهرها أمام العيان:{أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}[العاديات:٩ - ١٠]، فانكشف ما في قلبك أنك تحب أخاك في الله فأبى الله إلا أن يظهرك أمام الناس؛ لكي تظل في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
ولذلك أوصي إخواني بالحب في الله، وهذه المحبة ينبغي علينا أن نؤدي حقوقها، فلا تغتب أحداً، ومن الغيبة التي بلينا بها الآن قول البعض: شباب الصحوة فيهم شباب الصحوة يفعلون شباب الصحوة يقولون شباب الصحوة كذا وكذا، يا أخي هؤلاء إخوانك في الله! هؤلاء أقوام يحبون الله ورسوله! واحمد الله عز وجل أن الله متعك بزمان ترى فيه الصلاح في الشباب، فينبغي علينا أن نحفظ حقوق الأخوة في الله، وأننا مهما سمعنا من بعضنا من الأخطاء والنقائص ينبغي أن يكمِّل بعضنا نقص بعض، وأن يشد بعضنا من أزر بعض، وأن يكون فينا الحب الذي يرضي الله ورسوله، وأن نكون إخوة في الله كما أمر الله، ولذلك تجد الأخوة في الله على مراتب من أعلاها: من كان يسد من أخيه الخلة، ويستر له العورة، ويحرص على جمع القلوب وائتلافها، فنسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم ذلك الرجل.
ولذلك أوصي بتحقيق الأخوة التي ترضي الله، فإنها خالدة باقية إلى لقاء الله، كما أخبر الله بقوله:{الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف:٦٧]، ولذلك أبى الله إلا أن يبقي أخوة الإسلام حتى بعد الوفاة، (وإذا مات فاتبعه) فجعل من سنن المرسلين تشييع الموتى وتشييع الجنائز، يُوضع الإنسان جثة بين إخوانه كلهم يقول: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، كل ذلك من أجل ماذا؟ من أجل الأخوة في الله، كلهم يشفعون ويدعون، حتى إذا قام الأربعون غفر الله عز وجل ذنبه، كما ثبت في الحديث الصحيح، ولا يقف الأمر عند هذا، ويذهبون معه حتى يوضع في القبر، ويأبون أن ينصرفوا من القبر حتى يقول قائلهم: اللهم ثبته عند السؤال؛ لأن أشد ما يكون في القبر عند أول لحظة وهي لحظة السؤال، فكان هذا من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان يقول صلى الله عليه وآله وسلم:(استغفروا لأخيكم)، لأخيكم!! انظروا كيف! (واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل)، كأنك أنت الذي تعيش هذه الحالة وتعاني هذا الكرب، وجعل الله لك فيها من الأجور قيراطين وغير ذلك من الفضل، فنسأل الله العظيم أن يرزقنا وإياكم حب المؤمنين.
وأختم هذه الكلمة بمناسبة المحبة في الله بواجب الائتلاف على طاعة الله عز وجل، وأنه ينبغي على كل واحد منا إذا قام من هذا المجلس حق عليه أن يحب إخوانه في الله، وأن نذكر هذه العروة التي جمعت بيننا، وأن لا تفرق بيننا الأقاويل ولا التراهات ولا الشائعات، وينبغي أن تُقبل قلوبنا على محبة فاطر الأرض والسماوات.
والله إنه لمن نعم الله أن تحدث الفتن بين بعض الأخيار؛ ولكي يظهر الله المعادن البريئة، لكي يظهر الله بعض القلوب البريئة التي تحب لإخوانها ما تحب لنفسها، وتتألم وتتأوه لأي شيء يحدث لهم.
فنسأل الله العظيم أن يرزقنا وإياكم صدق المحبة فيه، وأن يغرس في قلوبنا وقلوبكم حب المؤمنين والائتلاف على طاعة رب العالمين.