[حق الله على الزوجين]
أعظم الحقوق الزوجية وأجلها على الإطلاق، وأعظم الواجبات الشرعية: حق الله على الزوجين، الله الذي أحل لك حلالها، وأباح لك طيبها ومسها، الله الذي أذن لك بنكاحها، وسهل لك السبيل للوصول إليها.
فيا أيها الزوجان: إن لله عليكما حقاً عظيماً أن تقيما بيت الزوجية على حبه ورضاه، وخشيته وتقواه، وعلى العبودية، والتمسك بالحنيفية، والأمر بالصلاة والزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبيض الله وجه رجل أقام أوامر الله في بيته، وبيض الله وجه امرأة أقامت أوامر الله في بيت بعلها.
كم من نساء صالحات ثبت الله بهن القلوب على الطاعات، وكم من نساء بخل الأزواج عليهن لأنهم كانوا بعيدين عن الله، وغريبين عن الله، ومعتدين على حدود الله، فما مضت الأيام إلا والقلوب قد خشعت لربها، وأذعنت لخالقها، فدلّت وبصّرت وهدت، فنعم والله المرأة، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة لامرأة نضحت في وجه زوجها الماء لتقيمه للعبادة، ورغَّبته في الطاعة والزهادة (رحم الله امرأة قامت من الليل فأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء، ورحم الله رجلاً قام من الليل فأيقظ أهله، فإن أبت نضح في وجهها الماء).
ولقد أخبر الله تبارك وتعالى عن هذا الواجب والحق العظيم في كتابه، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر بطاعته، وأن يحبب في مرضاته، فقال جل شأنه وتقدست أسماؤه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢] قال بعض العلماء: إني لأرجو من الله ألا يأمر أحدٌ أهله بطاعة الله إلا كفاه الله رزقه؛ لأن الله تعالى يقول: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢] فاستنبط بعض العلماء من هذه الآية الكريمة أن من حفظ حق الله في أهله أن الله لا يعييه في رزقٍ لهم.
وقال بعضهم: إنه كان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر في بيته وزوجه، وكان قد بلغه قول هذا العالم، يقول: وقد جربت ذلك فوجدته حقا، حتى إنه تمر علي الليلة لا أجد فيها الطعام، فآوي إلى الزوجة لا تخاصمني ولا تعاتبني، فما هو إلا شيء يشغلها عن الرزق، فأنام وتنام في رحمة من الله.
وقال بعضهم: كان بيتي مليئاً بالمشاكل، وكانت أبغض ساعة عندي تلك الساعة التي أدخل فيها بيت الزوجية، فشاء الله أن يهدي قلبي إليه، فعرفت سبيل المساجد، وقمت مع كل راكع وساجد، فأصبحت أسعد ساعة عندي تلك الساعة التي أدخل فيها إلى بيتي.
ما حفظ مؤمن حق الله في أهله إلا وفقه الله، ولن يسيئه الله في أهله وزوجه؛ لأنه من وفّى لله وفّى الله له، ولذلك أثنى الله على نبي من أنبيائه في كتابه، فقال جل شأنه وتقدست أسماؤه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم:٥٤ - ٥٥] فما أمر أحد أهله إلا أرضاه الله في أهله وكان عند ربه مرضيا، حتى قال بعض العلماء: من دلائل رضوان الله عن العبد توفيقه له بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بيت أهله.
فالله الله! في هذا البيت الذي أقمته بتوفيق الله ورحمته! ليكن أول ما يجعله الزوج والزوجة نصب أعنيها إذا دخلا إلى بيت الزوجية إرضاء الله سبحانه وتعالى؛ فأول ما يفكر فيه الإنسان الصالح الموفق الذي يريد الحياة السعيدة الهنيئة هو طاعة الله ورسوله.
والله ما دخلت إلى بيت زوجية وفي نيتك وقلبك أنك تقيم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أهلك وزوجك وأولادك إلا متعك الله، وجعل بيتك نعم البيت إذ تأوي إليه، وإذ تضفي إليه فالله الله في هذا الحق العظيم! والله ما تنكد العيش، ولا تنغصت الحياة، ولا تنكدت العشرة الزوجية بشيء مثل عصيان الله عز وجل، والتمرد على الله وعلى أوامر الله! الله الله أن تدخل على زوجتك فتراها على منكر لا يرضاه الله، فلا تأخذك حمية الدين أن تذكرها، ويرق لها شعورك، وتخاف منها أكثر من خشيتك من ربها! الله الله إذ رأيتها فلم تأمرها بطاعة ربها، فجئت يوم القيامة فتعلقت بك بين يدي الله، وقالت: رباه! سل زوجي؛ رآني نائمة وما أيقظني للصلاة! يا رب! سل زوجي؛ سمع مني ما لا يرضيك فما نهاني! يا رب! سل زوجي؛ رآني على معصيتك: انظر إلى الحرام أو أسمع الآثام وما نهاني عن حدودك، وما رهبني من معاصيك! الله الله أن توقفك ذلك الموقف! ولذلك قال بعض العلماء في قول الله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٦] يفر من أهله وزوجه خوفاً من معصية ومنكر رآهم عليه، فيسأله بين يدي الله عن ذلك.