[التفصيل بين طلب العلم وغيره من العبادات التفرغ لطلب العلم وإتقانه إولى]
السؤال
فضيلة الشيخ! هل الأولى أن يصرف العبد أغلب أوقاته في العبادة والنوافل، أم الأفضل أن يعكف على طلب العلم والدعوة إلى الله؟
الجواب
هذا أمر يختلف باختلاف الناس، فإذا كان الإنسان يستطيع أن يفرغ نفسه لطلب العلم ويعطي العلم حقه من الحفظ والفهم والإتقان ويخرج للأمة إمام هدىً، على بصيرةٍ من الله ونورٍ يخرج إلى الناس لكي يسد لهم ثغرةً من ثغور الإسلام، فإن تعلم العقيدة أتقنها، وعرف ما فيها، وأقام الناس على الصراط السوي في العقيدة، وذب عن الإسلام فردّ الشبهات والضلالات، وقام لله بحقه، وإن تعلم الفقه تعلم كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعرف الحلال والحرام، وعرف الشريعة والأحكام، وقام بذلك على أحسن وجه وأتقن أتم الإتقان وأكمله، فهو على خيرٍ عظيم، وهو بخير المنازل يوم القيامة؛ لأن العلم هو أشرف ما يطلب، وأفضل ما يكون، وهو أفضل من العبادة.
أما إذا كان الإنسان قد فتح الله عليه في العبادة ويريد أن يجمع بين العلم والعبادة فهذا شيءٌ طيب، ولكن الأفضل والأكمل أن يتقن العلم، وأن يفرغ نفسه للعلم ولضبط العلم حتى يسد الناس ثغرة هذا العلم وخاصةً في هذا الزمان الذي قل فيه العلماء، وكلما فقدت الأمة عالماً قل أن تجد من يخلفه.
كانت القرون الماضية إذا مات عالم خلف للأمة علماء فعندما توفي زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه -الصحابي الجليل العالم العامل العابد القانت- وبلغ الخبر أبا هريرة رضي الله عنه بكى، وقال:(لقد دفن الناس اليوم علماً كثيراً -فقد كان زيد رضي الله عنه أعلم الناس بكتاب الله أعلمهم بالحلال والحرام، وأعلمهم بما في القرآن من حدود، وأعلمهم بأوامر الله ونواهيه- ولعل الله أن يجعل لنا في ابن عباس خلفاً من زيد).
لأن ابن عباس لزمَ زيداً، وقد كان يأتي في شدة الظهيرة وينام على بابه، ويأتي في ظلمة السحر وينام على باب زيد، إعظاماً لكتاب الله، وإجلالاً لأهل كتاب الله -رضي الله عنه وأرضاه وجزاه عن الأمة والإسلام خير الجزاء- فخرج بحراً حبراً للأمة وعالماً من علماء المسلمين، فكان العلماء إذا ماتوا وفقدوا خلفوا من ورائهم أمة، ولكن اليوم إلى الله المشتكى! فكون طالب علم يحتسب عند الله أن يتقن ثغر العلم، وأن يلتزم بالتعلم وبحلق العلم، ويحب العلماء، ويحرص على مجالسهم والاستفادة من علومهم، فهذا من أفضل ما يكون، فقراءة العلم والنظر في كتب أهل العلم عبادة، والتفكر والتدبر في المسائل ومناقشتها ومناظرتها بنية الوصول إلى الحق عبادة، ولا تزال في عبادة ما كتبت وسمعت وتعلمت ومشيت، فأي مقامٍ مثل هذا المقام؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم:(من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله -وإذا سهل الله فلا تسأل- له به طريقاً إلى الجنة) يقول العلماء: أقرب السبل إلى الجنة طلب العلم، فنحن نقول: إذا كان الإنسان يستطيع أن يتفرغ للعلم ويعطي العلم كليته ويجعل له حظاً من قيام الليل ومن صيام النهار وحظاً من العبادة والبكاء والخشوع والقراءة في سيرة السلف الصالح، فقد جمع بين الحسنيين، نسأل الله العظيم أن يجعلنا ذلك الرجل، والله تعالى أعلم.