الجمع بين حديث:(أيكون المؤمن زانياً؟ قال: نعم) وحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)
السؤال
فضيلة الشيخ سائل يسأل يقول: ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن المؤمن يكون زانياً ويكون سارقاً فأجاب بنعم، ويكون كاذباً فأجاب صلى الله عليه وسلم بلا، وكيف نوفق بين هذا الحديث والحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)؟
الجواب
أما بالنسبة للحديث الأول والذي سئل فيه النبي صلى الله عليه وسلم:(أيزني المؤمن؟ قال: نعم، أيسرق؟ قال: نعم، قالوا: أيشرب الخمر؟ قال: نعم، قالوا: أيكذب؟ قال: لا) قال العلماء: لأن أعظم الذنوب التي يعصى الله عز وجل بها الكذب، حتى إن الشرك فيه كذب على الله عز وجل، وافتراءٌ عليه، ولذلك تبوأ الكذب هذه المكانة -والعياذ بالله عز وجل من السوء والإثم- ولأن الكذب يتضمن فساد الظاهر والباطن، فنفى النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون المؤمن كذاباً، وقال بعض العلماء: إن الإنسان إذا كذب وألف الكذب قل أن يستقيم له لسان -والعياذ بالله- على طاعة الله عز وجل، إذا كان لسانه دائم الكذب فإنه يلعنه الله عز وجل، فلا يستقيم له لسان على طاعة الله، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الكذب من علامة المنافق، فقال:(إذا حدث كذب) فالكذب لا خير فيه، فلعظيم ما فيه من النفاق والتدليس والغش بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن الصادق لا يتلبس به.
وأما بالنسبة للزنا وشرب الخمر والسرقة، فإنه قد يسرق الإنسان وهو مؤمن، قد يسرق لوجود الحاجة ووجود الضرورة إلى المال، أو يسرق لغلبة الفتنة بالدنيا، ولكن مع هذا لا يصل إلى ما يصل إليه الكاذب، وهكذا بالنسبة للزنا، وصحيح أنه انتهاك للأعراض واقتراف لفراش المسلم، وأذية له، خاصةً إذا كانت المرأة متزوجة، ولذلك عد النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر أن يزاني الرجل بحليلة جاره -والعياذ بالله- فالزنا ذنب عظيم، وقد وصفه الله عز وجل بأنه:{فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}[الإسراء:٣٢]، ولكن لا يصل إلى ما يصل إليه الكذب؛ لأن الكذب يمكن أن يكون في مرحلة من المراحل سبباً في سفك الدماء، فلو جاء إنسان وكذب على قبيلة، وكذب على قبيلة أخرى، وأوقع بينهم الشحناء لسالت دماء بكذبة واحدة، فلذلك الكذب بلاؤه عظيم وشره كبير، وعظَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمره وأخبر أنه لا يصل إلى ما يصل إليه الزنا من الإثم والخطيئة.
فقال العلماء: لعظيم ما يكون من الكذب إلى درجة أنه قد يكون سبباً في الشرك والكفر بالله عز وجل، نفاه النبي صلى الله عليه وسلم عن المؤمن، بخلاف المعاصي التي لا يسلم الإنسان منها في بعض الأحيان؛ لضعفه وغلبة الشهوة عليه.
أما الحديث الثاني وهو قوله عليه الصلاة والسلام:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) وقوله في هذا الحديث: (أيزني المؤمن؟ قال: نعم) فالجواب عن هذا كما يقول العلماء رحمة الله عليهم: أن قوله: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) أي أنه لا يمكن أن يفعل الزنا وفي قلبه الإيمان بالله عز وجل، حتى ورد في الخبر أنه يخرج حتى يصير كالظلة عليه، فإذا انتهى من زناه وذنبه -والعياذ بالله- رجع ناقصاً عليه بقدر ما أصاب من الذنب، فلا يمكن أن يقع في حدِّ الله عز وجل من الزنا وإصابة هذا الحد العظيم إلا وعنده ضعف في الإيمان، ولذلك قالوا: لا يزني وهو مؤمن، أي: وهو يستشعر عظمة الله ويستشعر هيبة الله عز وجل، وهذا صحيح؛ لأن الله عز وجل أخبر أن أهل تقواه {إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}[الأعراف:٢٠١].
فهذه الأحاديث كل حديث منها على وجه، والقاعدة في الأصول أنه لا يحكم بالتعارض بين النصين إلا إذا استويا دلالةً وثبوتاً ومحلاً، فمحل الحديثين هنا مختلف، حديث الذي ينفي الزنا من المؤمن -أي: أثناء الزنا- أن يكون مؤمناً مستشعراً لعظمة الله، والحديث الذي يثبت أنه يكون منه الزنا بحسب ما يكون منه من ضعف إيمان وتلبس بالعصيان، والله تعالى أعلم.