من الرحمة أن أرحم أهلي وأن أعاملهم بالحسنى وأدعوهم إلى الله، ولكن كلما فعلت ذلك أجد منهم قسوة وعدم قبول، فماذا أفعل وفقك الله وفتح عليك؟
الجواب
أسأل الله العظيم أن يسددك ويسدد أمثالك بالخير والبر، المؤمنة الصالحة إذا صلح حالها نشرت الخير والصلاح في أهلها، وأقرب الناس منها، ورأت عظيم حق قرابتها عليها، فقامت بذلك الحق على أتم وجه، فقد زكى الله الصالحات من فوق سبع سماوات:{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}[النساء:٣٤].
المرأة الصالحة يحترق قلبها على أهلها وذويها، مع ذلك لا تمل ولا تسأم ولا تضعف أبداً، بل إنها تشعر بالقوة، فكلما رأت الصدود والإعراض تقول: الله أكبر! الله فوق ذلك وأعظم وأجل من أن يخيبني، فيبقى عندها الشعور بحسن الظن بالله، وسيريها الله الساعة التي تقر فيها العين بهداية أهلها وذويها، وما ذلك على الله بعزيز، فإن لله حكماً عظيمة، فقد ترى قرابتك يعرضون عنك ولكن لحكمته سبحانه يؤخر هدايتهم، حتى يبتلي صبرك، ويبتلي صدقك، ويعظم أجرك، ويرفع من قدرك في الدنيا والآخرة.
فاحتسبي الأجر عند الله، وخذي من نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في صبره، بماذا آذوكِ؟ غاية ما يكون من الكلمات، والرسول صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته، وشج وجهه وسالت دماؤه، وقتل عمه وبقرت بطنه، فقال:(ربِّ اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون) فلا يخيب ظن الداعية بالله أبداً، بل إنه يتلقى مثل هذه المواقف بنفسٍ أبية وقلبٍ ثابت يحسن الظن بالله، ويعول في نجاحه على الله، والله مع عبده، والله مع الصابرين.
فهذا من الصبر، بل قال بعض العلماء: ألذ ما وجدت من الصبر الصبر على الدعوة.
بما فيه من استشعار أن الله يحب منك هذا الصبر من الكلمات الجارحة، والعبارات القاسية، والتذكير بالماضي المؤلم، وغير ذلك من التحقير والتسفيه، ومع ذلك لن تخيبي عند الله، ولذلك قال عروة:[والله ما قام عبدٌ في دعوته إلى الله مقام ذلٍ إلا أقامه الله مقاماً أعز منه] فلن تجد امرأة تهان بين أهلها، وهي تدعوهم حتى يأتي اليوم الذي تكون فيه درة بين من كان يهينها.
وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فقال:(قولوا لا إله إلا الله) فقال له أبو لهب: تباً لك ألهذا جمعتنا؟ فسفهه على رءوس الأشهاد، فمضت السنون تلو السنين، فوقف بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم على الصفا معه مائة ألف من أمته وأصحابه يفدونه بأرواحهم وأنفسهم، وقد أعاده الله مقام عزة وكرامة، وهذا هو دأب الله، ولكن الأمر يحتاج إلى صبر، ويحتاج إلى احتساب الأجر عند الله سبحانه وتعالى:{إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً}[الكهف:٣٠].
ومن كمال الإحسان: كمال الصبر واحتساب الأجر، فلابد للداعية من الرجال والنساء أن يكون محتسباً للأجر، وقد كان بعض العلماء يفرح بتأخر التوبة، يقول: ربما لو تابوا خدعت بنفسي، واغتررت بإنهم تابوا بحسن أسلوبي، ولكن الله سبحانه وتعالى قد يعصمني من فتنة، مع أن تذكيرك بالله واستدامة النصح له كله في ميزان حسناتك، فاثبتي ثبتكِ الله وثبت أمثالكِ على طاعته ومرضاته، والله تعالى أعلم.