[سر ابتلاء الله تعالى لعباده]
هذه البلايا وهذه الفتن والرزايا بسطت لك لكي تكون سلماً إلى رحمة الله عز وجل، شعرت أو لم تشعر، وكان بعض السلف إذا نزلت به المصيبة ووهبه الله اليقين عليها والصبر عليها تسلى بالدعاء، حتى أثر عن بعضهم أنه كان يكثر الدعاء ويلح في المسألة حتى يقول: يا ليت أن الله لا يفرج عني كربي حتى تستديم هذه الحلاوة لمناجاته ومناداته.
فإذا دخل اليقين إلى القلوب هانت عليها البلايا والخطوب، إذا دخل اليقين إلى الأفئدة تعلقت بالله وحده لا شريك له، ما ابتلاك الله لكي تفزع إلى زيد وعمرو لا والله، وما ابتلاك بالأسقام حتى تتعلق بغيره سبحانه وتعالى، فوالله لو صبت البلايا على العبد لا يمكن أن يجد الفرج والمخرج إلا بالله سبحانه وتعالى، فلذلك يكون الإنسان على يقين بالله تعالى، فلا ملجأ ولا منجى من الله تبارك وتعالى إلا إليه.
وقع أحد الناس في ضائقة واشتدت عليه هذه الضائقة، كان مبتلى بمس، وكان هذا المس يقلقه ويزعجه ويؤلمه واشتد عليه ذلك الخطب، وفي يوم من الأيام جاء إلى أحد طلاب العلم واشتكى إليه مما يجده، وقال: والله يا شيخ قد عظم علي البلاء وإني أصبحت مضطراً أفلا يجوز لي أن أذهب إلى إنسان يفك عني هذا البلاء الذي أجده؟! ألا ترخص لي في ساحرٍ أو كاهنٍ يعلم ما أصابني فيكشف عني ما أصابني؟! يقول ذلك وهو في حرقة وألم وشدة وشجن لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، فوفق الله طالب العلم فقال له كلمات ثبت الله بها جَنان ذلك المؤمن، وقال له كلمات شرح بها صدر ذلك العبد المبتلى فقال له في آخر الكلام: إني لأرجو من الله عز وجل إن استعنت بأمرين أن يفرج عنك الكرب والبلاء: أحدهما الصبر والثاني الصلاة.
يقول الرجل -وهو أيضاً من طلاب العلم-: فقمت من عنده بيقين قوي في الله عز وجل فصليت ركعتين أحسست أني مكروب، وأنه قد أحاطت بي الخطوب، فاستعذت بالله واستجرت، وإذا بي في سجودي أحس بحرارة شديدة في قدمي ما إن سلمت إلا وكأنه لم يك بي من بأس.
أحبتي في الله! هل الساحر يغيثك من دون الله؟! هل الكاهن يجيرك من دون الله؟! الأمر أمره، والقدر قدره، خط عليك هذا البلاء قبل أن تكون وقبل أن توجد {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:٤٩ - ٥٠].
كتب الله البلايا قبل أن يخلق العباد، ففي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما خلق الله القلم قال: اكتب! قال: يا رب! ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن وما يكون إلى قيام الساعة، فجرى القلم بما هو كائن وما يكون إلى قيام الساعة) ولذلك ركب عبد الله بن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يهديه هدية، وأن يمنحه تلك العطية فقال عليه الصلاة والسلام: (يا غلام! ألا أعلمك كلمات؟ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا استعنت فاستعن بالله، وإذا سألت فاسأل الله، واعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
فمن هذا الساحر ومن هذا الكاهن الذي يستطيع أن يتخطى أمر الله عز وجل؟ ومن هذا العبد الذي يستطيع أن يقضي الوطر لنفسه قبل أن يقضيه لغيره من خلق الله عز وجل؟ فالله الله! أن ينظر الله عز وجل عليك في البلاء، وقد رفعت كفك إلى غير الله.
الله الله! أن ينظر الله إليك في البلاء وقد تعلقت بغيره جل في علاه.
الله الله! أن ينظر الله إليك في البلاء وقد صرفت شعبةً من شعب قلبك تعتقد فيها في أحد سواه.
الله الله! أن ينظر الله إليك في البلاء وقد تعلقت بغيره وعذت بأحد سواه، فوالله إن وليت عن الله خسف الله الأرض من تحت قدمك، وكم من أقوام استعاذوا واستجاروا بغير الله ففرج الله عنهم الكربات امتحاناً واختبارا، واستدرجهم منه علماً وحكمةً واقتدارا، ثم ابتلاهم بالبلاء الذي هو نهايتهم من حيث لا يحتسبون.
ذكروا عن رجل أنه كان يقرب ساحراً، وكان يثق بهذا الساحر ثقةً عمياء، وكان هذا الساحر بزعم ذلك المبتلى يفرج همه، وينفس كربه، والله يستدرجه اليوم تلو اليوم، حتى قوي اعتقاد ذلك الرجل في ذلك الساحر -والعياذ بالله- وقوي اعتقاده في ذلك الكاهن من دون الله -نسأل الله السلامة والعافية- فشاء الله عز وجل لما عظم يقين هذا العبد أن يسلط عليه الساحر فيؤذيه والعياذ بالله بسحره.
فلذلك -أحبتي في الله! - من وثق بالله، وأيقن بالله تبارك وتعالى، أحس في قرارة قلبه أن لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، إن فقدت الأموال فإنك لم تفقد ربها، وإن فقدت الأبناء والبنات فإنك لم تفقد من أوجدها ومن خلقها، وإن فقدت الآباء والأمهات، فإنك لم تفقد من جبل قلوبهم إلى الحنان فأحسنوا إليك ووهبوا يد المعروف إليك.
فالله الله! أن يخيب ظنك في رجائه، أو تكون من عباده الذين ضل سعيهم بالرجاء في غيره.