[الإنكار بالقلب]
النقطة الأخيرة التي هي التغيير بالقلب, فالقلب هو آخر المراحل, فالإنسان إذا أعيته الحيلة أن ينكر بيده أو ينكر بلسانه، فإنه لا يجوز له أن يتخلى عن الإنكار في القلب, فإن الحب في الله والبغض في الله, من أوثق عرى الإيمان فتحب في الله ولو كان أبعد الناس منك نسباً، تحبه لأنك تراه على طاعة الله والاستقامة, وتبغض في الله ولو كان أقرب الناس منك، فما نفع ابن نوح بنوته لنوح عليه الصلاة والسلام, ولا نفع زوجته كونها زوجة له، ولذلك تبرأ إبراهيم من أبيه وقومه لما أشركوا بالله عز وجل, ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم في هذه القاعدة من حديث أنس في الصحيحين: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, وأن يحب الرجل لا يحبه إلا في الله ... ) فهذه قاعدة الولاء والبراء, بمجرد أن تعلم أن إنسان يتعاطى المنكر تبغض فعله, أما هو فهو مسلم وأخوك في الإسلام, ولا تيئس ولا تقصر في دعوته وهدايته وإرشاده, وتبذل كل ما تستطيع لكن كما قيل لـ أبي ذر: [أتبغضه؟ قال: لا.
إنما أبغض عمله] يعني فعله هو الذي يبغضه.
ولذلك ربما ترى إنساناً يشرب الخمر -والعياذ بالله- أو يزني ولكن فيه خير, ابتلاه الله سبحانه وتعالى بهذا الابتلاء فلم يخرج من دائرة الإسلام, يشهد بذلك ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لما جلد شارب الخمر سبه الصحابة وعابوه, فقال صلى الله عليه وسلم: مه -كلمة زجر وتوبيخ- لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم إنه يحب الله ورسوله) , وفي هذا يقول العلماء: فيه دليل على تعظيم أعمال القلوب, فإن ظاهره فيه إساءة, لكن لما انعقد باطنه على حب الله ورسوله عظَّم الله هذا منه, ولذلك الرجل الذي قتل مائة نفس آخرها عابد -نسأل الله السلامة والعافية- ملوثة يده بسفك الدماء البريئة, حتى إذا كان في آخر عمره خرج بنصيحة العالم الذي قال له: ما يمنعك من التوبة هو إن قريتك قرية سوء, وقرية بني فلان بها قوم صالحون فارتحل إلى تلك القرية, فخرج في آخر عمره، لكن خرج بقلب تائب إلى الله جل جلاله, فحضره الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب, ملائكة العذاب تقول: قتل مائة نفس آخرها عابد, وملائكة الرحمة تقول: إنه تاب إلى الله, يقول بعض العلماء: فعظمت عند الله نيته الصالحة؛ لأنه تاب وأناب وأقبل على الله سبحانه وتعالى, حتى الخطوات التي خطاها قربه الله بها إلى رحمته, ما وُجد قريباً إلى قرية الصالحين إلا قدر شبر, وفي رواية: فأوحى الله إلى هذه أن تباعدي, وإلى هذه أن تقاربي.
معناه: أنه كان قريباً إلى قرية الشر, فانظروا إلى رحمة الله بعباده، وقد قال تعالى: {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:٥٣] وهذا خطاب للعصاة والمذنبين الذين أسرفوا على أنفسهم.
فالمهمة والهدف أن نأخذ بالقلوب إلى الله جل جلاله.
والوصية الأخيرة التي أختم بها هذه الكلمة: أن نعمة من الله سبحانه وتعالى يتذكرها الإنسان إذا حجز عبد عن النار بسببه, تصور لو أن الله قيضك لإنسان في غيه وفجوره وانتزعته هذا الفجور إلى رحمة الله سبحانه وتعالى.
التنبيه على نقاط مهمة مثل: جذب الناس إلى حلق العلماء, فلا نقتصر على الأداء العملي, لا بد من التوجيه, قد ترى أمامك إنساناً عاصياً فتدله على حلقة عالم, تدله على من يعينه على تجديد التوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى, فلا نقتصر على الإجراء الشكلي, بل ينبغي أن يكون عندنا توجيه, ويكون عندنا إرشاد، ودعوة إلى الخير ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم هداةً مهتدين, غير ضالين ولا مضلين, وأن يجعلنا ممن وفق للقول السديد والعمل الصالح الرشيد, إنه ولي ذلك وهو على كل شيء شهيد, وأسأل الله العظيم أن يجزي المشايخ ويجزيكم كل خير على ما تكبدتم من مشقة الحضور.
وختاماً أسأل الله أن يجعل ما قلناه وعملناه خالصاً لوجهه الكريم ليس فيه لأحد سواه حظ ولا نصيب, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.