[علاج من وسوس له الشيطان بترك العلم وجمع له الهم والغم]
السؤال
وفدت إلى هذه البلاد لطلب العلم أسأل الله أن يجعل نيتي ونية كل مسلم صالحة خالصة، ومع الجو الدراسي والدروس وحفظ المتون جاءني الشيطان يرغبني عن العلم ويصرفني عنه، ويضعف عزيمتي ويشغلني بما لا يفيد، فقسا قلبي وانشغلت عن كتاب الله وعن التركيز في دروسي، واجتمعت علي هموم وغموم وأحسست بضيق شديد، فيا شيخنا الفاضل -جزاك الله خيراً- ابذل لي النصيحة ولمن وقع في مثل ما وقعت به لعلها تقع في قلبي موقعاً ينفعني الله به، نفع الله بك وجزاك الله خير الجزاء؟
الجواب
أسأل الله العظيم أن يكتب خطواتك، وأن يعظم أجرك، وأن يكثر من حسناتك يوم أن خرجت من بيتك طالباً للعلم راغباً فيما عند الله فأبشر بخير من الله إن شاء الله.
أخي في الله! أحسن الظن بالله فإن الله جل وعلا عند حسن ظن عبده به، هذا ابتلاء ابتلاك الله به، ولعل الله بعده أن يرفع درجتك، وأن يعظم أجرك وأن يحسن وأن يعلي بالعلم ذكرك، أبشر بخير، فما طلب أحدٌ العلم إلا ابتلاه الله، إن الله يبتلي طالب العلم بالهموم والغموم فيجد من يخذله ويجد من يهينه، ويجد الشدائد في التغرب في غربة الأسفار والبعد عن الأوطان والأحباب والخلان، ومفارقة الأهل والولدان، إلى غير ذلك من المحن والفتن، حتى يكون عاقبتها رضوان الله الواحد الديان، إن العلم يحتاج إلى جهاد لأن فيه فتناً ومحناً لا يعلمها إلا الله جل جلاله.
قال بعض العلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أوحى الله إليه بجبريل أخذه فغطه حتى رأى الموت، ثم أخذه فغطه حتى رأى الموت، ثلاث مرات وهو يقول له: اقرأ فيقول: ما أنا بقارئ، ففي هذا دليل على أن العلم لا يكون ولن يكون إلا بعد الامتحان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلمه الله رأى الموت، (أخذني فغطني) يعني حتى كاد أن يهلك صلوات الله وسلامه عليه، وهذا فيه سلوان لكل طالب علم، تحفظ وتسهر الليل وتتعب ولا تجد لذة النوم ولا لذة الدنيا، كل ذلك من عاجل الامتحان؛ لأن الحياة التي ترضي الله مبنية على الجهاد {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:٦٩] أي: والله لنهدينهم سبلنا، أنت الآن في الثمن وغداً بإذن الله تنال المثمن، حين تفوز بعلم يرضي الله، وجنة هي المأوى من الله جل جلاله.
أبشر بخير وأحسن الظن بالله، وقل لعدوك إبليس: اخسأ عدو الله فلن تنثني لي عزيمة ولن يضعف لي عزم في طاعة الله ومرضاة الله بطلب هذا العلم.
كان السلف الصالح يتغرب الرجل منهم عن أهله حتى لا يسمع عنهم خبراً، وكانوا يتغربون عن أوطانهم، وكانوا يسيرون الأسفار التي ترى فيها الأهوال والشدائد والموت والمصائب، ومع ذلك كله رفع الله بالعلم قدرهم، وعظم بالعلم أجرهم، فلا يزال أهل العلم وطلاب العلم في هذا الامتحان من الله جل جلاله.
أبشر بخير وأحسن الظن بالله جل جلاله، ولكن لا تستجب لنوازغ الشيطان وتوهين الشيطان، واستعن بالله العظيم المنان، وسل الله أن يثبتك فإن الله بيده ثبات القلوب.
أما الوصية الثانية التي أوصيك بها: تفقد نفسك في الذنوب التي بينك وبين الله، وفي الذنوب التي بينك وبين عباد الله، فإنه ما دخل همٌّ ولا غمٌّ على عبد إلا بسبب ذنب: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:١١] فلعلك في يوم من الأيام أتاك العجب بطلب العلم، وقلت: إني سافرت لطلب العلم، أو إني أفعل وأفعل فمقت الله منك ذلك فكان سبباً في هذا الابتلاء، قال سفيان: أذنبت ذنباً فحرمت قيام الليل أربعة أشهر، وهو إمام من أئمة السلف وديوان من دواوين العلم، فلعل هناك ذنباً بينك وبين الله أو بينك وبين عباد الله، ربما مع إخوانك وطلاب العلم من جيرانك، آذيت أحداً منهم من أحباب الله والأخيار، فغضب الله عز وجل عليك بأذيته فحرمك لذة العلم.
تفقد معاملتك مع إخوانك ومعاملتك خاصة مع طلاب العلم، فإن كثيراً من طلاب العلم يبتليهم الله بسبب التعامل مع بعضهم.
أما الوصية الأخيرة: فانطرح بين يدي الله، وأكثر من سؤال الله وناجه وناده فإنه عليه المعول وهو مصلح الأحوال، وإليه المرجع والمآل، سبحانه الكبير المتعال، والله تعالى أعلم.