للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العفو عمن ظلمك]

إذا وقفت في موقف بينك وبين أخيك فاعلم أنك بين الجنة والنار، واعلم والله أنه إذا أساء إليك أخوك أنك أولاً وقبل كل شيء ممتحن من الله، نحن بحاجة إلى من يغذي قلوبنا عند حصول الفتن، فقد تحصل بعض الخلافات فلا يوجد أحد كامل، فرب يوم من الأيام يزل أخوك بكلمة أو تخرج من فمه زلة، أو يذكر أمراً من أمور الجاهلية؛ فما العمل؟ جاء الإسلام بالعلاج، جاء بالعلاج حينما ذكرك بأنه ينبغي عليك أن تعامل الله عز وجل وأن ترجو الله والدار الآخرة.

وكيف ترجو الله والدار الآخرة؟ ترجو الله والدار الآخرة حينما تقول لأخيك: أنا عاف عنك لوجه الله.

هذه الكلمة لها ثقل عند الله.

كأنك تقول: أنا لا أعفو إلا من أجل أنني إذا لقيت الله أجد عنده حسنة هذا العفو، لوجه الله أي: من أجل وجه الله عز وجل.

ولذلك ثبت في الأثر وقد حكاه بعض أهل التفسير في قوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:١٣٤] ورد في الأثر أن الله تبارك وتعالى يقول: (من كان أجره على الله فليقم - في عرصات يوم القيامة- فتقول الملائكة: ومن هذا الذي أجره على الله؟ يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فلا يقوم إلا من عفا عن ذنب).

وهذا من أسمى ما يكون المنهج؛ لأن منهج التشريع كماله أن يضع المشرع فرضاً واحتمالاً بأن تقع خلافات، فالشريعة حببت الأخوة وذكرت ثمارها في الدنيا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي في طاعة الله، وذكرت ثمارها في الآخرة من الشفاعة، وجاءت بالفرض المحتمل وهو فرض الخلافات، فعالجت المختلفين، وأيضاً عالجت من خارج المختلفين، عالجت المختلفين حينما أمرتهم أن يقولوا التي هي أحسن، وعالجت من خارج المختلفين: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠] كأنهم ما خلقوا إلا من أجل الأخوة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:١٠] عالجت من الخارج وعالجت من الداخل ثم كذلك حببت فيما عند الله عز وجل من الأجر، والفضل والثناء وحسن الذكر.

ووالله لن يتسع صدرك لأذية مؤمن يؤذيك فترجو رحمة الله ويتسع صدرك وتقول: أنا عاف لوجه الله إلا رفع الله قدرك، ففي الصحيح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً) لا تظن أنك إذا عفوت ذليل، لا، صحيح أن الذلة للمؤمن مستحبة: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:٥٤] أقوام ليل وصوام نهار لا.

{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [المائدة:٥٤].

هذا أول شيء، كيف أذلة على المؤمنين؟ بمعنى أنه إذا أساء إليه الغير لا يقابل الإساءة، بل يذل له؛ لأنه يأتيه الشيطان ويقول له كيف تترك؟ أنت ضعيف أنت جبان أنت تخاف، يقول: نعم ضعيف جبان أمام لا إله إلا الله، أريد أن أنتقم لكن بيني وبينه كلمة " لا إله إلا الله " لا أستطيع أن أضرب مسلماً، وهذا يدل على كمال الإيمان، يدل على أن الإيمان قد توغل إلى أعماق ذلك الفؤاد وذلك القلب.