للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أيوب عليه السلام ويقينه بالله]

نبي الله أيوب مكث طريح الفراش أكثر من سبع سنين، كان ذا مال وثروة ونعمة وجاه، قال إبليس: اللهم سلطني على عبدك أيوب، فسلطه الله على ماله فأحرق جميع ماله، فلما رأى ذلك البلاء في ماله قال: الحمد لله، حمد الله تبارك وتعالى وقال في كلام معناه: اللهم وهبتني المال، وأنعمت علي بالمال حتى شغلني عن ذكرك فها أنت قد فرغتني لذكرك وشكرك فلك الحمد رب العالمين! رضي عن الله تبارك وتعالى، وشاء الله تبارك وتعالى أن لا يبقى البلاء عند هذا، وإذا بذلك العدو يسأل الله أن يسلطه على أهله وولده، وشاء الله تبارك وتعالى أن يمكنه من ذلك، ففقد فلذات كبده وفقد أهله واحداً تلو الآخر حتى فجع بهم جميعاً إلا زوجةً واحدة، بقيت هذه الزوجة مع ذلك النبي المصاب، ومع ذلك العبد المبتلى تواسيه وتسليه، فقال عليه الصلاة والسلام: الحمد لله رب العالمين، وشكر الله على البلاء الذي أصابه، فقال إبليس عليه لعنة الله: اللهم سلطني على نفسه، فقال: لك كل شيء إلا لسانه وقلبه، فبقي عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يفتر له لسان عن ذكر الله تبارك وتعالى، ولا يمكن أن يفتر له جنان عن حسن الظن بالله تبارك وتعالى، تولى عنه الناس حتى أصبح أنتن ما يكون رائحة، وتركوه إلى جوار المزابل -كما ورد في الأخبار- ولم يبق معه إلا زوجته التي بقيت معه تهتم به، فلما بلغ به الأذى مبلغه، وأصابه ما أصابه من الضر والبلاء؛ عندها تذكر الله تبارك وتعالى، وأحس بعظيم البلاء الذي يجده، فقال الله تعالى يصور ساعة اليقين من ذلك القلب الموقن {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء:٨٣ - ٨٤] لما أراد الله أن يفرج كربه أمره بكلمةٍ واحدة {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص:٤٢] ما أمره أن يقوم وما أمره أن يذهب إلى أحد، وما أمره أن يسأل أحداً أن يفرج كربه، ولكن أمره بأمر واحد: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص:٤٢] فجعل تفريج كربه من تحت قدمه، فلا إله إلا الله رب العالمين!! في طرفة عين تفجرت العين ثم اغتسل منها فما بقي به مرض في جسده وما بقيت به عاهةٌ في بدنه فقام عليه الصلاة والسلام قوياً سوياً من لحظته وساعته، الله أكبر!! ما أيقن أحد بالله فخاب في يقينه، ولا رجاه أحد فخاب في رجائه، ثم أعاد الله تبارك وتعالى عليه أهله وذريته، قال عبد الله بن عباس: [أعاد إليه الأهل والذرية بأعيانهم، فرد عليه الزوجات ورد عليه الأبناء والبنات، ثم رد عليه أضعاف ما كان فيه من النعمة].