أما الصائمون، فوصية من الأعماق، تتحقق بها هذه العبادة الشريفة المباركة التي جعلها الله عز وجل ركناً من أركان الإسلام، إذا قدم عليك شهر رمضان فوضعت أول قدمٍ على أعتابه، فإنه حريٌ بك أن تتذكر نعمة من الله تبارك وتعالى أسداها، ومنةً إليك أولاها، هذه النعمة أن كتب لك الحياة إلى بلوغ شهر رمضان، فكم من قلوب حنّت واشتاقت للقاء رمضان انقطع بها القدر، وانقطع لها الأثر، فهي اليوم في الأعماق، وتحت التراب والثرى، كانت تتمنى لقاءه، فإذا وضعت -رحمك الله- القدم على أعتاب شهر رمضان فالهج بالثناء على الله تبارك وتعالى، وقل بلسان الحال والمقال: اللهم لك الحمد أن بلغتني شهر رمضان لا أحصي ثناءً عليك جلَّ شأنك، حتى إذا تمكنت هذه النعمة من قلبك فعرفتها واعترفت لربها بها، عندها تأذَّن الله لك بالمزيد، فكانت بداية الشكر بداية لأن تصاب برحمة الله، فما شكر عبدٌ نعمة إلا بارك الله له فيها، ويتحرك قلب المؤمن بالشكر الصادق، فيخرج من لسانه الشكر بقلب موقن لمعناه، إذا تذكر الأمة المحرومة التي حال بينها وبين الصيام الألم، يتذكر إخواناً له على الأسرِّة البيضاء منعتهم الأسقام والعلل، وحالت بينهم وبين الصيام والقيام، فإذا رأيت العافية ونظرت إلى جسدك وأنت ترفل بنعمة الصحة الغالية فعندها تذكر منة الله تبارك وتعالى عليك، واحمد الله تبارك وتعالى على الوصول والبلوغ، واسأله أن يعينك على الطاعة والإنابة إليه سبحانه وتعالى.