للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الموعظة إذا كانت لله عظم نفعها]

إن هذه المواعظ صلاح للأسر، وسعادة لها في الدنيا والآخرة، هذه المواعظ لا تكون نافعة ولا مؤثرة إلا بشرط واحد، وأساس واحد، أقام الله عليه هذا الدين كله، أقام عليه السموات والأرض، ومن أجله سيكون السؤال والحساب والعرض، وهو الإخلاص لله تبارك وتعالى.

اعلم رحمك الله تعالى أنك بين موقفين إما أن ترى ابنك أخطأ فتأخذك حمية الدين أو تأخذك حمية الجاهلية، فإياك أن تضيع على نفسك الأجر، لا تقل: فضحتنا وشهّرت بنا، ولكن قل: يا بني! {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام:١٥] ذكره بالله، ولتخرج الكلمة من قلبك صادقة لوجه الله جل وعلا، فكل موعظة خرجت من قلب صاحبها والله يعلم أنه يريد وجه الله نفع الله بها، وكانت مباركة وبقيت مع من سمعها وعمل بها، فالكلام إذا أُريد به وجه الله طاب، وفُتِّحت له أبواب السموات {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠] فالله الله في مواعظك أن تفتح لها أبواب السموات حينما تخلص لوجه الله.

إذا رأيت ابنك قد أخطأ، فلتأخذك حمية الدين ولتخف عليه من رب العالمين، وتقول: يا بني! والله لو عصيت ربك فإني لا أغني لك من الله شيئاً، واذكر وأنت تقول هذه الكلمات الطيبات المباركات، اذكر رسول الأمة صلى الله عليه وآله وسلم وهو واقفٌ أمام قريش أمام قرابته وبني عمه وبناته، يقول لهم: (يا فاطمة بنت محمد! سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنكِ من الله شيئاً) كانت الموعظة والنصيحة لله، فالذي يعظ أبناءه لله، وتخرج كلماته خالصة من قلبه، ليس خوفاً أن يعيّبه الناس أو من الفضيحة، ولكن خوفاً من فضيحة الأشهاد، خوفاً من يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، يوم يُفرّق فيه بين الوالد وولده، والأب وابنه {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٧] يرى ابنه على معصية فيقول: إني أخاف من هذه المعصية اليسيرة أن تفرق بيني وبين ابني يوم القيامة، فيا بني! اتق الله، فإذا خرجت الكلمة من قلب صادق بارك الله فيها، فأبناؤك ينتظرون منك الإخلاص، وبناتك -أيتها الأم الصالحة- ينتظرن منك الإخلاص، ولذلك إذا وعظ الواعظ مخلصاً لله بارك الله في موعظته.

انظر إلى ذلك المثل الذي ضربه رسول الأمة صلى الله عليه وآله وسلم وهو من أصعب المواقف وأعظمها وأشدها، جعله عبرة لعباده المؤمنين: (امرأة فقيرة محتاجة جاءت إلى ابن عمها وهو مغرم بها، يساومها على الحرام وعلى نفسها وعرضها والعياذ بالله، فلما رأى حاجتها قال لها: لا أعطيكِ حتى تمكنيني من نفسكِ -وهي ضعيفة محتاجة وفي فاقة شديدة ولكنها عفيفة مؤمنة- فلما رأت أنها مضطرة وأعيتها الحيلة، فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -في هذا الحديث الصحيح- عن هذا الرجل: اللهم إنك كنت تعلم أنه كانت لي ابنة عم، وكنت أحبها، وكنت أراودها عن نفسها فأبت حتى احتاجت يوماً من الأيام، فقلت لها: لا أعطيك حتى تمكنيني من نفسك، فلما جلست منها، وفي رواية: فلما قعدت منها مقعد الرجل من المرأة، قالت: اتق الله، ولا تفضن الخاتم إلا بحقه)، الله أكبر! موقف تنهزم فيه المرأة مهما أوتيت من قوة، ولكنها خافت ربها واتقته، وطهُرت واستسلمت لخالقها، فقالت النصيحة من كل قلبها، قالت له: (اتق الله ولا تفضن الخاتم إلا بحقه) فرعدت فرائصه من خشية الله، وترك المال لها وقام.

الله أكبر! ما أطيب الكلام إذا خرج لوجه الله وحده لا شريك له! ما كان لله عظُم نفعه وجلّت بركته في الدنيا والآخرة.

وإذا وقف العبد بين يدي الله جل وعلا -وكان ناصحاً واعظاً- لأهله وولده- فإنه يرى أمام عينيه تلك الكلمات التي خطها ملائكة حافظون، لا يغشون ولا يكذبون، يراها كاملة أمام عينيه في يوم ينفع الصادقين صدقهم، نعم، تجد الصادقين هم المخلصون، فإذا نصحت أبناءك وبناتك، فانصحهم بقلبٍ يريد وجه الله، بقلب ليس فيه إلا الله، ليس فيه أحد سواه، وكم من آباء نصحوا أبناءهم وبناتهم المرات والكرات دون فائدة؛ لأنهم نصحوهم خوفاً من الفضيحة، ونصحوا لعادةٍ أو تقليد، ما نصحوا لله ولا في الله، ولا ابتغاء الأجر عند الله، فالله الله في هذه الأساس.