للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الالتزام والابتلاء]

العبد الملتزم والشاب الصادق في التزامه وهدايته يجد ويجتهد، ثم إن ربك إذا أحب عبده ابتلاه، فإذا التزم بدين الله صب الله عليه البلاء فضاقت عليه الدنيا ووسع الله ضيقه وعظمت عليه الهموم والغموم، حتى يفر من غير الله إلى الله، ويصبح في ليله ونهاره ينادي رباه رباه.

إذا أحب الله الملتزم المهتدي المستقيم على طاعته صب عليه البلاء والهموم والغموم؛ لأن النفس البشرية إن غفلت وأعطيت النعمة أرخت لنفسها العنان في معصية الله جل جلاله، واتبعت الشيطان فكان صاحبها من الغاوين، ولكن الله يحب هذا العبد فيصب عليه الوساوس والهموم والغموم حتى ينطرح عند باب الله يناديه ويناجيه ويحس أنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، تمر عليه اللحظات تلو اللحظات وقد ضاقت عليه نفسه، وعظمت عليه كربته، واشتدت عليه بليته ولكنها بالله هينة، وبمناجاته لله سبحانه وتعالى سعة ورحمة، وإذا بها اليوم تؤذيه ولكنها في الغد ترفعه وتكرمه بين يدي الله جل جلاله، اليوم تصب عليك الهموم والغموم والحسرات والفتن والمحن حتى من أعداء الله عز وجل عندما يستهزءون ويسخرون ويكيدون، ولكن الله سبحانه وتعالى يبدد هذه الأشجان والأحزان عنك، فيثقل بها ميزانك، ويعظم بها أجرك، ويكثر بها ديوانك، فتبكي اليوم من الهموم ولكن تضحك بين يدي علام الغيوب عندما ترى صحائف الأعمال حسناتها كأمثال الجبال.

إذا رأى أهل البلاء ما عند الله من الأجر والمثوبة تمنوا أن حياتهم كلها بلاء، فإذا رأى الملتزم والمستقيم على طاعة الله جل جلاله أن سخرية الساخرين واستهزاء المستهزئين يثقل الميزان ويعظم الأجر عند الرحمن تمنى أن حياته كلها من هذا الضرب والمثيل، فاصبر وصابر واحتسب، وإذا أحب الله عبداً ملتزماً بدينه حببه للخير وحبب الخير إلى قلبه، فأصبح لا يرتاح ولا يأنس ولا يحس بسعادة إلا إذا كان قريباً من الله جل جلاله، تضيق عليه نفسه إلا في مجلس ذكر أو شكر، إذا خرج من المسجد أحس أنه ضيق النفس، فإذا دخل إلى المسجد إذا به يدخل منشرح الصدر مطمئن النفس، يدخل كأنه ورد على رحمة كورود الإبل التي اشتد ظمؤها على الماء البارد في اليوم الصائف أو أشد، كان صلى الله عليه وسلم يقول: (أرحنا بها يا بلال).

فإذا كمل التزام العبد كمل إقباله على الله جل جلاله، فصلاته صلة، ودعاؤه صدق، وإقباله على الله عز وجل إقبال المجد المشمر عن ساعد الجد في رحمته ومرضاته جل شأنه وتقدست أسماؤه، ومعنى ذلك: أن كل من التزم بطاعة الله عليه أن يجعل نصب عينيه أنه مأجور على كل هم وغم وبلاء متى احتسب ذلك عند الله سبحانه وتعالى.