ومن آثار الموعظة: أن البيوت إذا صلحت صلح المجتمع كله، والأسر إذا صلحت واستقامت؛ صلح المجتمع كله، وبارك الله في أمة تأمر بما أمر وتنهى وتزجر عما نهى عنه وزجر، يبارك الله في الأمة كلها، ولذلك لما كانت بيوت المسلمين تقوم على هذا الخير، كانت بيوت المسلمين لا تعرف الواجبات والمحرمات فقط، بل كانت تعرف المستحبات والفضائل، أما الواجبات والمحرمات فهذه البدهيات.
كان الطفل الصغير ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف حتى لربما مر على الرجل وهو يبيع في تجارته بعد الأذان، فيقول له: اتق الله وصلِّ.
كانوا يعظون أبناءهم، في الكمالات لصلاح الأسر؛ لأن الواجبات فصلت، والمحرمات تركت، ما هي الكمالات؟ كانت الأسر تعظ بإكرام الضيف، ونصرة المظلوم، وإعانة المحتاج، والتضحية والإيثار، كانوا في مراتب الكمالات، ليس الواجبات أو المنهيات، كانت الأمة في هذا المكان العظيم والمنزلة الشريفة الكاملة، فعلينا أن نُصلح الأمة بصلاح الأسر، ولا تقل: من أنا؟ فلربما صلاح بيتك صلاح للأمة كلها، ولعل الله أن يوجد بيتاً في الحي، يقوم على الموعظة تتأثر به الأسر من حوله، فلربما جاءت امرأة زائرة لهذا البيت المسلم الذي قامت فيه الموعظة كما ينبغي أن تقام، فقالت: يا أم فلان: لِمَ لا تفعلين كذا وكذا؟ إن أبا فلان نهانا، وإن أبا فلان قال لنا كذا وكذا، فذكّرتها بالموعظة، فبكت وانطلقت إلى بيتها، فأخذت بحجزها عن نار الله وغضبه، فكم من خير انتشر، وكم من بر علا وظهر بفضل الله جل وعلا ثم بالموعظة لما نشرت.
الموعظة خيرها عظيم وبركتها عظيمة؛ بركتها حتى في اللسان الذي يتكلم بالموعظة، ويذكر بالله عز وجل، يطيِّبك الله به حياً وميتاً، فلماذا زكى الله الأنبياء والعلماء والأخيار والأتقياء والصلحاء؟ بفضله سبحانه ثم بما قاموا به من ذكره وشكره والدعوة إليه سبحانه {وَمَنْ أَحْسَنُ}[فصلت:٣٣] من هنا بمعنى: لا، أي: ولا أحسن قولاً ممن دعا إلى الله، فثمرات الموعظة عظيمة وآثارها جليلة كريمة.