[قضاء حاجة المحتاج]
أما العلامة الثالثة التي تدل على الحب في الله فهي أعلى مراتب الحب في الله, وهي: مرتبة الكمال, حينما تكمل الدين بالدنيا, حينما تستر عورة أخيك أو تفرج كربته أو تؤنس وحشته, فتكون خير أخ وعضد له بعد الله جل جلاله, الأخ يحتاج إلى أخيه, تمر به الظروف والفتن والمحن, يحتاج إلى من يقف معه ويمده بمال أو يواسيه في شدة الحال, فقف مع إخوانك, فكم من إخوان بذلوا أوقاتهم لإخوانهم في الله ففازوا بمرضاة الله جل وعلا, ما الذي تأخذه من الدنيا غير تفريج الكربات، ورفعة الدرجات لما تسديه إلى الأرامل والبائسين والمحتاجين من إخوانك المؤمنين.
إن من أعظم القربات وأعلاها عند الله قدراً تفريج كربات المسلمين, فاحتسب إذا سمعت أن أخاك بحاجة إلى مال؛ أن تعينه بالمال إذا استطعت, لا يكون المال أعز عليك من أخيك في الله, ابذل المال لوجه الله, فوالله ما أنفقت لأخيك مالاً ترجو به رحمة الله إلا أصابتك دعوة الملكان: (اللهم أعط منفقاً خلفاً) فلك الخلف من الله, كم من يد مدت إلى أخيها تعينه في شدة الظروف, والله يعلم أنها آثرت بهذا المال نفسها وأبناءها فعوضها الله إيماناً, وعوضها خشوعاً فأصابت خيري الدنيا والآخرة, الخلف من الله مضمون, والربح منه مضمون, فليكن مصداق الحب في الله تفريج الكربات عن الإخوان في الله, كم من رجل يقول لك: أحبك في الله وهو يعلم أنك محتاج إلى ماله, ولا يمد لك شيئاً منه، كيف يطيب العيش للغني المسلم وقد كشفت عورة أخيه المسلم؟! وكيف يلذ العيش للغني المسلم وقد تقرحت أحشاء وأمعاء الأيتام والأرامل من المسلمين؟! كيف يلذ العيش للمؤمن الصادق وهو يعلم أن أخاه يتضور جوعاً؟! ذكروا عن بعض الصالحين أنه كان غنياً ثرياً كثير المال, جاءه رجلٌ يوم من الأيام في شدة البرد, وكان هذا الرجل قد بسط الله له من الخير شيئاً كثيراً, فجاءه هذا الرجل -والناس بعضهم دليل خير ومفتاح خير- جاءه ولم يأته لغرض من الدنيا, ولكن جاءه لحاجة إخوانه المسلمين, فقال له: إن بموضع كذا وكذا أسرة فيها أيتام وأرامل ليس عندهم طعام ولا لباس يقيهم البرد, فنادى ذلك الرجل حاجبه -والرجل الذي يقوم على أمواله- فلما دخل عليه قال: انتظر, قال: فدخل إلى غرفته ولبس ثياباً خفيفة في شدة البرد, ثم دخل على حاجبه وقال: إنه قد بلغني أن بموضع كذا وكذا أيتام وأرامل، وأنهم قد آلمهم البرد فلا طعام معهم ولا كساء, اذهب إليهم فأطعمهم واكسهم واملأ أيديهم من المال, وإني في ملاءتي هذه أجد من البرد ما يجدون حتى تعود إليّ.
إنها قلوب تحس بما يحس به إخوانه المسلمين.
توفي علي زين العابدين ففقد أكثر من ثلاثين بيتاً كان بالليل يقرع الباب عليهم بالصدقات والطعام, لا خير في المال إذا لم تستر به عورات المسلمين, وتفرج به كربات إخوانك المؤمنين, أيُّ خير للملايين إذا اكتنزتها، وخرجت منها صفر اليدين من رحمة الله والعياذ بالله, ما الذي تستفيده من المال إذا أسرك فأصبحت أشجانك وأحزانك معه فخرجت صفر اليدين من المعاملة مع الله, فلقد بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله يقيم العبد يوم القيامة بين يديه، فيقول له: عبدي! ألم أسودك؟ ألم أعطك؟ ويذكره بالنعم, ثم يقول: فماذا عملت لي؟) فلو وقفت بين يدي الله وسألك الله عن إخوانك في الله, عن مكروب في دينه علمت أنه مديون فلم تفرج كربه, وعن مكروب علمت أنه بحاجة إلى من يثبته فلم تثبته, فليس تفريج الكربات يختص بالأموال, ولكن يكون بحسن المقال, إذا لم يكن عندك المال وعلمت أن أخاك مهموم أو مغموم، فابذل إليه كلمة، فكم من كلمة من أخ فرج الله بها الهموم, الأخ يحتاج إليه أخوه بكلمة تثبته خاصة في الأحزان والأشجان.
ولذلك شرع الله عيادة المرضى وشرع تشييع الجنائز والتعزية، كل ذلك لكي يتثبت الله بها قلوب المؤمنين بكلمات إخوانهم المؤمنين, فلذلك ينبغي للمؤمن أن يسعى إلى أعلى مراتب الأخوة, وأن يفضل إخوانه على نفسه.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا الحب فيه, والولاء فيه, اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعلنا ممن وجبت محبتهم لك يا ذا الجلال والإكرام, اللهم إنا نسألك أن نحب بحبك من أحبك, وأن نعادي بعداوتك من عاداك, وأن تجعلنا سلماً لمن سالمت، وحرباً لمن حاربت, عوناً لأوليائك, حرباً على أعدائك, يا ذا الجلال والإكرام, سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين.