الحمد لله الكريم التواب، الرحيم الوهاب، الذي خضعت لعظمته الرقاب، وذلت لجبروته الصعاب، ولانت لقدرته الشدائد والأطناب، رب الأرباب، مسبب الأسباب، ومنزل الكتاب، وخالق خلقه من تراب، {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}[غافر:٣] عليه توكلت وإليه متاب، وصلى الله وسلم وبارك على خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضلهم بلا ارتياب، وعلى سائر الأصحاب.
ثم أما بعد: أيها الأحبة في الله: فإنه لا زيادة على ما تقدم به المشايخ، ولكن أود أن أذكر نفسي وإخواني أن الكلام الذي قيل، والآية التي تليت وفسرت ووضحت، هي تعنينا قبل غيرنا، فقد يظن الكثير أن آيات التوبة وخطاب التوبة إنما يوجه إلى من زنى أو إلى من سرق أو إلى من تراكمت عليه المعاصي لا، فنحن أحوج ما يكون إلى توبة نصوح.
إن الله تبارك وتعالى أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم آيات يأمره بها وأصحابه من أهل بدر وأهل بيعة الرضوان، والسابقين من المهاجرين والأنصار الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فقدموا وبذلوا وضحوا وجاهدوا، أمرهم الله جل وعلا وهو يخاطبهم بخطاب الإيمان:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[التحريم:٨].
الشاهد أيها الأحباب! لا يستغني أحد منا عن أن يستغفر الله، فإذا كان نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم يقول:(توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإني أتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة) وهو الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لعلمه صلى الله عليه وسلم أن حق الله أعظم من أن يؤديه بشر، فلا يزال كل عبد مسلم مقصراً في حق الله، ذلك أنه جل وعلا ربه ومولاه وخالقه ورازقه الذي أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، فأنَّى للعبد أن يوفيه حقه، وأن يعبده حق عبادته.
فلا شك أن العبد محتاج إلى أن يتوب من التقصير، ومن الجفاء، ومن البعد عن الله تبارك وتعالى ولو للحظة، ولذلك علَّمنا صلى الله عليه وسلم حديثاً وذكراً ما أطيبه وما أسعد من أخذ به، قال صلى الله عليه وسلم:(سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) فهل وفيت نعمته عليك بالهداية والإسلام واتباع خير الأنام؟ أبدا، فلا بد أن تقول ذلك (وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).
ولا أريد أن أطيل عليكم أكثر من ذلك، وأفسد -كما ذكر ذلك الشيخ محمد - موعظة الشيخ وكلامه والذكرى التي ذكَّرنا بها.
ولعلي أختم أيها الأحبة كلمتي بالوصية بأن نشمر للجنة بالتوبة (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) فسارعوا إليها بالتوبة، فسارعوا إليها بالتوبة وعمروا دنياكم بالتوبة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهلها: فاعمل لدار غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أسأل الله أن يتولانا برحمته، وأن يجعلنا وإياكم من أهل طاعته، وأن يسعدنا وإياكم بعبادته، وأن يجعلنا وإياكم من أهل الفوز يوم أن نلقاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.