وثمرات هذا العلم: أن الله يقذف في قلوب الناس حبك، فإذا أخلصت الآن، وحرصت كل الحرص على الأدب مع العلماء ومع من تتلقى عنهم قيض الله لك من تصرف الناس ومعاملتهم معك ما تقر به عينك، ويطمئن به قلبك، وتبهج به نفسك، والله! ما رأينا طالب علم تأدب مع علمائه ومشايخه إلا رأينا آثار ذلك في طلابه، وما رأينا فظاً غليظاً سيئاً جافياً متجافياً عن الحق إلا رأينا مكر الله به كما مكر بمن كان على شاكلته ممن سبقه.
فإياك ثم إياك أن تغفل عن هذه الثمرة الكريمة! أن يزكي الله علمك، فيجعل لك بين الناس القبول والمحبة والرضا، وهذا -كما ذكرنا- بالإخلاص، ثم بذكر الله جل جلاله، ثم بالحرص على الأدب مع أهل العلم، فيفتح الله لك عز وجل من فضله، فترى ثمرة العلم في الدنيا، وترى بأم عينيك ما كنت تفعله مع مشايخك من الإجلال والتقدير في طلابك، ومن يأخذ العلم عنك؛ فما {جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}[الرحمن:٦٠] والله جل جلاله يقول في كتابه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}[الكهف:٣٠].
فمن كان في رياض العلم متأدباً تعلوه السكينة والوقار، وإذا سأل عرف عن أي شيء يسأل، وإذا تكلم عرف أين يضع لسانه، وحفظ لأهل العلم حقهم وقدرهم، وأخذ يختار النماذج الكريمة من السلف الصالح وطلاب العلم الأحياء الذين يرى فيهم وقار العلم وسمته، والأدب مع العلم فتخلق بهذه الأخلاق؛ زكاه الله جل جلاله، والله إن القلوب لتسر حينما ترى نماذج من طلاب العلم في السكينة والوقار يذكرون بهدي السلف الصالح! وإن القلوب لتتقرح وتتألم حينما ترى عكس ذلك! كذلك أيضاً: إذا زكاك الناس وشهدوا لك بالخير كان من عاجل البشرى لك في الدنيا يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله إذا أحب عبداً من عباده نادى: يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحبه) الله أكبر! لو نودي باسمك في السماوات العلى: يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحبه، اللهم اجعلنا ذلك الرجل! الله ذو العزة والجلال الذي بيده ملكوت كل شيء ينادي باسمك! إذا صلح قولك وعملك، ورأى الله منك هذه المحافظة على الحقوق والواجبات! (نادى يا جبريل! إني أحب فلاناً) لا، والله! ما أحب الله للدنيا، وما أحب للأحساب والأنساب، ولكن أحب للدين والإخلاص.
وانظر إلى الأسلوب (إني) وهو للتوكيد والإثبات- (إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي: يا أهل السماء! إن الله يحب فلاناً فأحبوه، قال صلى الله عليه وسلم: فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض) فإذا تكلم وضع الله البركة في قوله، فكم من تائب أناب ومهتدٍ اهتدى بإذن الله عز وجل بتذكيره ووعظه! فترجع إلى قومك وعشيرتك وقد وضع الله لك القبول، من عامل الله كان الله له.
فمن الآن وطِّن نفسك على أن يحبك الله، فترى هذه الثمرة العاجلة في الدنيا فتقول: يا رب! أحمدك وأشكرك والفضل كله لك، إذا أحبك الله عز وجل ووضع لك القبول فهذه ثمرة الدنيا؛ فيزكيك الناس ويشهدون لك بالخير والفضل ويترحمون عليك، ويذكرونك بصالح الدعوات، ما ذكرت إلا أثنوا عليك ودعوا لك بالخير، وهذا من عاجل البشرى، ولذلك من ذكره الناس بصالح الدعاء كان هذا من عاجل البشرى، والعكس بالعكس! فعلى المسلم أن يحرص على توطين نفسه بالأصول التي تفضي إلى هذه الثمرة الكريمة.