رجل أوقف داراً وهو لا يعلم بأحكام الوقف، ثم افتقر هذا الرجل هل له الاستفادة من وقفه وبيعه؟
الجواب
الوقف لا يباع ولا يوهب، وفي الصحيحين من حديث عمر أنه لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم:(يا رسول الله! إني أصبت أرضاً بخيبر هي أحب مالي) انظروا كيف كان الصحابة رضوان الله عليهم، وكيف كان السلف الصالح لما جاءتهم الدنيا لم يتصرفوا بها، وإنما انطلق إلى رسول الله وقال:(يا رسول الله، هي أحب مالي فماذا تأمرني؟) يعني: بماذا تشير عليَّ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم وقال له:(إن شئت حبست أصلها).
فأجاز له أن يحبس الأصل وأن يسبل المنافع، قال:(إن شئت حبست أصلها فتصدق بها عمر -على ألا تباع ولا توهب- على الفقراء والمساكين وابن السبيل) فهذا يدل على أن الأرض إذا أوقفت أنه لا يملك الإنسان التصرف فيها لا ببيع ولا بهبة، وإنما يباع الوقف في حالة مستثناه وهي: أن تتعطل مصالحه، ثم ينظر القاضي ويحكم بانتقاله إلى ما يمكن أن يحقق مقصود الواقع مما هو شبيه به.
وأما بالنسبة له هو فإن المال قد خرج عن ملكه، ولذلك لا يرجع إليه، وإذا رجع إليه فإنه يعتبر متصرفاً في مالٍ لا يملكه، فلو أن إنساناً أوقف أرضاً أو مزرعةً على المساكين، ثم أزال هذه الوقفية بسبب فقره فباعها وأخذ ثمنها، فالمال سحت وحرام؛ لأنه لما أوقف الأرض خرجت ملكية الأرض عن ملكيته، والأوقاف بإجماع العلماء لا تملك، ولا يمكن للإنسان أن يهبها للغير.
وعلى هذا فإن هذا الدار قد خرجت عن ملكه، وكونه لا يعلم بأحكام الوقف لا يبيح له أن يتصرف في الوقف، فما دام أنه قد سلبها في سبيل الله فقد خرجت من يده، ولا يجوز له أن يرجع فيها إذا كان وقفاً بأي حالٍ من الأحوال.
إنما اختلف العلماء فيما إذا وهب لشخصٍ، كأن يهب لفقيرٍ على سبيل الصدقة أو على سبيل الإحسان، ثم يرجع في هبته، والصحيح أن الهبة تملك بالقبض، وأنه ليس من حقه أن يرجع على أصح أقوال العلماء رحمة الله عليهم.
أما الوقف فلا، فإن الوقف لا يملكه، فهو قد خرج عن ملكيته وهو لله عز وجل.